الدكتوراه بامتياز للباحثة تغريد الشميري من جامعة تعز ( منقول)
الأفعال الكلامية في كتاب الحيوان للجاحظ
الثلاثاء, 18-مارس-2014
متابعة : د. محمد الحصماني -
حصلت الباحث تغريد عبدالحكيم سيف غالب الشميري على درجة الدكتوراه في اللسانيات الحديثة بتقدير امتياز من كلية الآداب جامعة تعز عن اطروحتها الموسومة بـ : (الأفعال الكلامية في كتاب الحيوان للجاحظ في ضوء نظرية أفعال الكلام العامة ). ونظرا لتميز الأطروحة وجدة موضوعها ومنهجها فقد أوصت لجنة المناقشة والحكم برئاسة الأستاذ الدكتور: أحمد سالم الضريبي أستاذ اللسانيات الحديثة بجامعة عدن, المشرف على الاطروحة, وعضوية كل من الأستاذ الدكتور: محمود علي العباسي أستاذ اللسانيات بجامعة صنعاء, و الأستاذ الدكتور: عبدالله محمد سعيد أستاذ اللسانيات بجامعة تعز- بطباعة الأطروحة على نفقة جامعة تعز. وتبادلها مع الجامعات اليمنية.
وتأتي أهمية الأطروحة من كونها قاربت موضوعا غير مطروق كثيرا في الوسط الجامعي, واشتغلت على فرع لساني لم يحظ بالتفاتة أكاديمية حتى الآن من قبل الباحثين في الجامعات اليمنية وهو الفرع التداولي, كون هذا الفرع- كما تقول الباحثة-" يدرس علاقة النشاط اللغوي بمستعمليه، وكيفية استخدام العلامات اللغوية بنجاح والسياقات والطبقات المقامية المختلفة التي ينجز ضمنها الخطاب، ومعرفة العوامل التي تجعل من الخطاب رسالة تواصلية واضحة وناجحة، والأسباب التي تعيق عملية التواصل وتؤدي إلى فشلها" ولان التداولية اطار نظري ومرجعية ابستمولوجية في التواصل اللساني الحديث فقد بلور المشتغلون عليها مجموعة من المفاهيم والآليات الإجرائية, أبرزها- كما تقول الباحثة-: (الاستلزام الحواري، والافتراض المسبق، والإشاريات، والأفعال الكلامية)، والمفهوم الأخير -برأي الباحثة – "مفهوم متميز من الدراسة التداولية، ويشكل جزءا أساسيا من بنيتها النظرية، والنواة المركزية لها، فقد رأى المشتغلون على مفهوم الأفعال الكلامية أن وظيفة اللغة لا تنحصر في نقل خبر، أو وصف واقعة، وإنما اللغة أفعال تنجز، وتحقق ما تحمله من المعاني بمجرد النطق بها، والكلام بذلك لا يعبر عن شيء فقط، وإنما يُفعل أيضاً، فالكلام فعل ينجز، وعليه فالبحث في هذا الموضوع هو بحث في أساس يُعد من أكبر أسس التداولية" , ومن هذا المنطلق فقد ارتأت الباحثة تغريد أن تكون اللسانيات التداولية وأفعال الكلام خصوصا هي الجانب التطبيقي لأطروحتها الموسومة بــ (الأفعال الكلامية في كتاب الحيوان للجاحظ في ضوء نظرية أفعال الكلام العامة), يحدوها طموح علمي غايته" استقصاء ووصف الأفعال الكلامية الرائجة في(كتاب الحيوان) للجاحظ , وتقديم تحليل تداولي لنص نثري على وفق معايير نظرية أفعال الكلام العامة , ولاسيما المبادئ الإجرائية التي بلورها الفيلسوف الإنجليزي جون أوستين والفيلسوف الأمريكي جون سيرل, والإفادة من الإضافات المنهجية التي طعم بها الفيلسوف الأمريكي بول غرايس تلك المبادئ الإجرائية, كجزئية أساسية تكميلية لبناء النظرية، وتقنين منهج لساني تداولي دقيق, فضلا عن استحضار مساهمات اللغويين والنقاد العرب المتقدمين وإشاراتهم التي تمثل ملمحا بارزا يكشف عن إدراكهم ووعيهم لنظرية الأفعال الكلامية حتى وإن لم تدون في إطار نظري" وقد بررت الباحثة اختيارها لكتاب الحيوان للجاحظ – دون غيره من كتب التراث العربي- لتطبيق تلك المبادئ والإجراءات المنهجية بالقول:" اختارت الدراسة ( كتاب الحيوان) للجاحظ ؛ لكثرة أساليب الحوار فيه وتنوعها، واختلافها ما بين الأساليب الخبرية والأساليب الإنشائية ، فضلاً عن أن ( كتاب الحيوان) من المصادر التراثية ذات القيمة اللغوية العالية؛ نظرا لما يحمله من معارف ومعان ودلالات شتى، تحتاج إلى من يتفحص مراميها ويستبطن مكامنها ويثريها بالدراسة والبحث؛ لأنها صادرة عن عالم متبحر، ولغوي متمكن ، وخبير بأصول البلاغة والبيان ومعاني الكلام ومقاصد الحديث ومرامي القول" .
أما تفضيلها الاشتغال على نص نثري لا نص شعري فـ" لأن فكرة أفعال الكلام فكرة مستمدة من مجال اللغة المستعملة / المحكية و تمظهراتها في الحوارات اليومية التي تشكل حقيقة الحدوث، إضافة إلى أن الفعل لا يحقق فاعليته إلا بمدى إنجازيته في الواقع"
مبررات الموضوع ومسوغات اختياره:
كشفت الباحثة الشميري عن عدد من المسوغات والأسباب دفعتها لاختيار هذا الموضوع دون غيره منها:
1.جدة الموضوع ، وقلة الدراسات المتخصصة في هذا الجانب.
2.الربط بين الدرس اللساني التداولي الحديث والتراث العربي القديم.
3.إبراز أهمية النظرية التداولية ومفاهيمها عن الأفعال الكلامية في الدرس اللساني الحديث وطرق تطبيقها في صلب اللسانيات الوظيفية , وبيان قدرتها على إنتاج خطاب تداولي واع ورصين.
6.حاجة اللسانيات التداولية - بوصفها خطابا تداوليا- للدراسة التطبيقية والتعريف بموضوعاتها وأقسامها وتبسيط مقولاتها للقارئ.
8.لفت انتباه الباحثين إلى حقل يمكن الانطلاق منه في اختيار موضوعات جديدة تلبي طموحهم وتفتح لهم آفاقا جديدة للدرس اللساني الوظيفي.
أهداف الدراسة:
وفي سياق تحديدها للأهداف والغايات البحثية التي سعت لتحقيقها , نبهت الباحثة والمحاضرة بجامعة تعز تغريد الشميري إلى ان دراستها محاولة للإجابة عن تساؤلات عدة منها :
1.الكشف عن حقيقة الأفعال الكلامية؟ وكيف تسهم في عملية التواصل؟ وكيف نشأت؟ ومن أي معين استقت مادة موضوعها؟ وهل لقيت في تراثنا العربي نصيباً من الدراسة؟ وما آلياتها؟
2.كيف يتحقق العمل بالقول في إطار نظرية أفعال الكلام العامة؟
3.كيف يتكلم الجاحظ بشيء وهو يريد أن يوصل للقارئ / المتلقي شيئا آخر.
4.كيف نتجنب الغموض والإبهام في عملية التواصل؟
5.هل المعنى الحرفي لملفوظ ما كاف لتحديد مقصدنا من الكلام؟
6.كيف ننتقل من المعنى الحرفي إلى المعنى الضمني في أثناء الكلام؟
الاطار المنهجي:
وظفت الباحثة - كما اشرنا - مفاهيم التداولية والآليات المنهجية والإجرائية التي بلورها كل من (أوستين وسيرل وغرايس)، كما أفادت من (المنهج الوصفي التحليلي)؛ الذي ساعد على استقصاء الأفعال الكلامية ووصفها وتحليلها وتفسيرها، و(المنهج التاريخي)؛ لتتبع مسار الدرس التداولي الحديث، وأصول نظرية الأفعال الكلامية في التراثين العربي والغربي، و(المنهج النفسي) الذي مكن الدراسة من الوصول إلى التأثيرات النفسية الكامنة في الأفعال التعبيرية، و(المنهج الاجتماعي) الذي وضح ظروف وملابسات النصوص المتعلقة بالمتلقين والمشاركين في العملية التواصلية.
التصميم والهيكل التنظيمي:
وفي سبيل ضبط منهجي يلم اطراف الموضوع ويجمع شتاته وُزِّعَت الباحثة دراستها على ثلاثة فصول سبقتها مقدمة وتلتها خاتمة اشتملت على نتائج الدراسة وملحق بالمصادر والمراجع ، تناولت المقدمة أهمية الدراسة ودوافعها وأهدافها ومنهجها ، وأبرز الصعوبات البحثية, فيما جاء الفصل الأول ليشكل مدخلاً نظرياً للدراسة التطبيقية، عبر مبحثين اثنين, الأول بعنوان: اللسانيات التداولية (المفهوم والنشأة والتطور)، و الثاني بعنوان
نظرية أفعال الكلام العامة النشأة والتطور).أما الفصل الثاني فقد جاء بعنوان : (الأفعال الكلامية المباشرة في كتاب الحيوان) في ستة مباحث هي:الأفعال الإخبارية , الأفعال التوجيهية , الأفعال الالتزامية , الأفعال التعبيرية, الأفعال الإعلانية ,الأفعال التوضيحية .أما الفصل الثالث المخصص لتحليل: (الأفعال الكلامية غير المباشرة في كتاب الحيوان) فجاء في ثلاثة مباحث هي: الأفعال الكلامية غير المباشرة المركبة, الأفعال الكلامية غير المباشرة الجزئية , الأفعال الكلامية غير المباشرة على وفق تصنيف غرايس .
وقد أعقبت الباحثة تلك المباحث والفصول بجملة من النتائج والتوصيات أهمها في النتائج. :
• الكشف عن صنف سادس للأفعال الكلامية وهو الأفعال التوضيحية.
• الفصل بين الأفعال الكلامية (الإخبارية والتوجيهية والالتزامية والتعبيرية والإعلانية)، مع صعوبة الفصل بين تلك الأفعال؛ لأن كل فعل ينبغي أن يكون دالاً وإنجازياً وتأثيرياً في الوقت نفسه.
• الإبانة عن وجود مبدأ التوضيح الاستعاري عند الجاحظ في كتابه الحيوان، القائم على أربعة مبادئ هي: (مبدأ الافتتاح، مبدأ المواجهة، مبدأ المدافعة، مبدأ الاختتام).
• التأكيد على أن تراثنا العربي لا يخلو من تلك الأصناف الخمسة للفعل الكلامي لأوستين وسيرل، ولا يقتصر عليها فحسب بل يحتوي عليها وعلى غيرها.
• الإشارة إلى ان المقصد من الكلام هو الذي يخضع المتلقي إلى السياق، بحيث لا يستطيع تجاوزه إلى غيره من المقاصد الأخرى؛ لأن مقصد السياق يسهم بشكل كبير في تحديد سلطته على متلقيه.
• إثبات أن تراثنا العربي لم يكن خالياً من الإشارات اللسانية التداولية لكنها لم ترق لتشكل نظرية لها أصول ومبادئ منهجية وإنما ظهرت متناثرة في كتب الفلاسفة والبلاغيين والنحويين وعلماء الأصول.
ومن أهم التوصيات التي خرجت بها الدراسة ما يلي :
• توصي الدراسة الجامعات اليمنية بإضافة اللسانيات التداولية كمقرر دراسي يضاف إلى مقررات الدراسات الجامعية، وبرنامج الدراسات العليا؛ والانفتاح على المناهج اللسانية المعاصرة.
• توصي الدراسة الأساتذة المتخصصين في مجال النقد والبلاغة والنحو وعلم الدلالة والأسلوبية وتحليل الخطاب ان يفيدوا من إنجازات اللسانيات الحديثة عموما و المنهج التداولي خصوصا؛ لإثراء دراساتهم وأبحاثهم العلمية بما توفره التداولية من الآليات والأدوات المنهجية .
• توصي الدراسة علماء التداولية والمشتغلين بنظرية أفعال الكلام بضبط المصطلحات الخاصة بالنظرية، وتوحيدها حتى لا تظل ملتبسة على الباحثين.
• توصي الدراسة الباحثين بأهمية الخوض في هذا المجال الخصب بحثاً ودراسة، منطلقين مما يقدمه تراثنا العربي من ملامح وبذور تراثية.