عبد الرحمن
مشرف عام
وسام النشاط :
عدد المساهمات : 237
نقاط : 628
تاريخ التسجيل : 30/12/2009
 |  موضوع: قضايا إبستيمولوجية في سسيولوجية الأدب  2010-07-10, 18:54 | |
|
مقدمة: السوسيولوجيا هي العلم الذي يهتم بدراسة قوانين تطور الأنظمة الاجتماعية، وذلك اعتمادا على مناهج بحث متعدد (الوظيفية، البنيوية، الإحصائية، الأمبريقية...). يهتم عالم الاجتماع ضمن هذا الإطار بدراسة تداخل الظواهر الاجتماعية واستخراج القوانين العامة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل المجتمع... انطلاقا من هذا التعريف الغير النهائي يمكن لعَالِم الاجتماع المهتم بسوسيولوجيا الآداب أن يستعين بالمنهج السوسيولوجي لدراسة المراحل التي يقطعها الإبداع الأدبي وكيفية استجابة القارئ له ومدى الدور الذي يلعبه المؤلف داخل المجتمع ووضعيته وسط النظام الاجتماعي الذي ينتمي إليه وكذا وظيفته داخل المجتمع...
تهتم سوسيولوجيا المؤلف أساسا بوضعيته الاقتصادية وانتمائه الاجتماعي والجاه والرتبة الاجتماعية التي تُوَفرها مهنة الكتابة. يطال حقل سوسيولوجيا الآداب مشاكل العائدات المالية التي تذرها الكتب المُؤَلفة وطرائق عيش الكتاب إضافة إلى الأشخاص والجهات التي تغدق أموالها من أجل طبع المؤلفات ونشر المعرفة ومساعدة الكتاب وهو ما يسمى "Le mécénat". كما تهتم سوسيولوجيا الآداب بدراسة الأمور المتعلقة بالجوائز الأدبية خاصة وأنها أصبحت تلعب دورا مهما في تقاليد وأعراف التأليف والنشر. تتم دراسة السيرورة الأدبية في إطار سوسيولوجي يأخذ بعين الاعتبار التطور التاريخي لمراحل تطور مهنة الكاتب انطلاقا من العَرَّاف أو المشعوذ إلى صانعي المؤلفات الأكثر مبيعا وذيوعا في العالم "Les best-sellers".
1- دراسة الجماعات الأدبية:
يُعَدُّ تكون الجماعات الأدبية من النقط الأساسية التي تدخل في مجال سوسيولوجيا الآداب، فعلم الاجتماع العام يهتم بدراستها ضمن أهدافه النظرية حيث يهتم بدراسة الجماعات وكيفية تشكلها والروابط التي تجمع بينها؛ إضافة إلى المجموعات الصغرى التي يرجع الفضل للباحث كورت لوين الذي طَوَّرَها في نطاق نظرية عامة، أثناء دراسته للحقل النظري الذي يتعلق بعلم النفس الاجتماعي.
تُمَكِّنُ حركية الجماعات الأدبية من معرفة الطريقة التي تكونت بواسطتها مجموعات الكُتاب وكيفية تلاحمها وانحلالهما. إذن، كيف تتكون جماعة من المؤلفين؟
إن جماعة المُؤلفين مجموعة صغيرة ومحدودة تستقي ديناميتها وحركيَّتها الداخلية من عملية الإبداع الفني باعتبارها الهدف الأساسي للكاتب. فإذا أردنا تفسير ذلك انطلاقا من الكِتَاب وصناعته، فإن هذه الجماعة تتكون نتيجة تمازج خليط من العلاقات والروابط الاجتماعية التي تتداخل في ما بينها لتُكَوِّن شخصية الكاتب الذي يُعَدُّ بدوره محورا رئيسيا لمجموعة من العلاقات الميكرو- سوسيولوجية نلخصها إجمالا في الترسيمة التالية:
الناشر ........................................ الصحفي
الطابع ................ المؤلف ...................... المكتبي
الموزع ......................................... القاريء
تتكون هذه الخطاطة من عدة حلقات يكمل بعضها البعض. تتداخل فيما بينها بطريقة جدلية تفاعلية ويحكمها منطق منظَّم يخضع لعلاقات متشابكة لامتناهية من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتقنية... نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر النموذج التقني التالي: لعبة تبادل التصحيحات "Jeux des épreuves" التي تتم بين الناشر والمؤلِّف التي تصل ثلاث أو أربع مرات حسب اتفاق الطرفين وأهمية الكتاب، ولعل المُطَّلع على عقود النشر الغربية سيرى أنها تفرض على الكاتب عددًا محدودًا من نُسَخِ التصحيح، إذا زاد عليها الكاتب يؤدي الثمن من حسابه الخاص.
2- دراسة المؤلفات الأدبية بعد نشرها:
تهتم سوسيولوجيا الآداب بمعرفة وضعية المؤلفات بعد طبعها ونشرها ومدى استجابة المتلقي لها والأسس النفسية والاجتماعية والثقافية التي تجعل الجمهور يختارها للدرس والقراءة. تبحث أيضا في الكيفية التي يتعامل بها القراء مع المُؤَلَّف والمُؤَلِّف معا. إن سوسيولوجيا الآداب هي المحرار الذي يقيس درجة تعامل القارئ مع كتاب ما.
تعتبر الأبحاث التي تهتم بهذا المجال الآداب وتتعامل معه كمؤسسة مختصة. يتم ذلك عبر تهميش منهجي للجانب التقني في العملية الذي يتعلق بنشر الآداب (دور النشر، المطابع، شركات التوزيع، المكتبات التجارية، المعارض...). يتم وضع جميع شروط إنتاج هذه المؤلفات جانبا.
يستطيع القارئ عبر هذه المؤسسات امتلاك المؤلفات واستعمالها. كما تعتمد الدراسة السوسيولوجية في ذلك على منجزات علم البيبليوغرافيا الذي يهتم بدراسة العلوم التقنية والنظرية المتعلقة بصناعة الكتاب انطلاقا من لحظة ولادته الأولى إلى مرحلة بيعه... وهنا يلتقي هذا العلم بسوسيولوجيا الآداب حيث يمكننا اعتبارها مُكَمِّلَةً للبيبليوغرافيا لأنها تهتم بدراسة الظروف والشروط والميكانيزمات التي تساهم في ظهور مُؤَلَّف ما للوجود.
3- سوسيولوجيا القراءة:
تهتم أيضا أبحاث سوسيولوجيا الآداب بالقارئ بصفته مستهلكا للمنتوج الأدبي، كما يقوم الباحث بتحليل عملية القراءة (أي العلاقة بين القارئ والكاتب) ودرجة تأثيرها عليه... وذلك عبر استثمار الوسائل المنهجية السوسيولوجية: الإحصائيات، الاستجوابات، المقابلات، الاستمارات... التي يتوجه بها الباحث إلى عينات متعددة حسب أهدافه وفرضياته، يقسمها حسب المهنة والسن والمستوى الثقافي... غالبا ما تخضع هذه العملية بعد تطبيقها على وحدة سكنية معينة (عينة البحث) قصد الانطلاق في تحديد سياسات القراءة والاستهلاك الثقافي لمجموع سكان بلد ما. انطلاقا من ذلك يتسنى للباحث معرفة كيفية استقبال كِتَاب ما، أو مُُؤَلِّف ما، أو نص من النصوص، أو مجموعة نصوص مختلفة... بعد ذلك، يلجأ الباحث لمقارنة النتائج التي حصل عليها مع نتائج مختلف العينات الأخرى حتى ولو اختلفت لغاتها.
تتعامل سوسيولوجيا القراءة مع الآداب بشكل محايد وتحاول تناوله كظاهـــرة "Phénomène" مستقلة، وذلك بغض النظر عن الجودة الاستيتيقية للكِتَاب، أي تتعامل مع المضمون فقط. فالكتاب إنتاج فني وصناعي في آن واحد لأنه يؤدي مهمة ثقافية وأخرى اقتصادية. إن التحريات الدقيقة التي يقوم بها السوسيولوجي تهتم أيضا بوسائل الإعلام وبالنشاط الصحفي والإذاعة والتلفزة وكل وسائل الدعاية الأخرى التي يلجأ لها الكاتب للتعريف بمُؤَلَّفِه أو يلجأ إليها الناشر في إطار خطته الماركوتينية (التسويقية)... بعد إجراء البحوث يمكن الاستفادة من النتائج في مجال النشر كوضع المخططات والمشاريع قصد انفتاح النشر على أكبر عدد من القراء لبلوغ ما يسمى القراءة الجماهيرية "La lecture de masse".
ساهم السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو بأبحاث متميزة في مجالات عدة اعتمد فيها على معطيات محصلة من مجال سوسيولوجيا الآداب حيث استخلص نتائج مهمة تجلت في الكشف عن لعبة اختلاف الأدوار ومنظومات الترف ونوايا المجتمع الفرنسي وخصائص طبقاته في مجال النشر والتلقي، استفاد منها القراء والناشرون ومدبري الشأن الثقافي في أماكن مختلفة من بقاع الأرض كما شكلت إضافة نوعية في مجال البحث الاجتماعي.
يمثل استقبال الكِتَاب من طرف القارئ القاعدة الأساسية لعلم الآداب حيث أصبحت تخصصا مستقلا في بعض الجامعات الأوروبية.
4- التعامل السوسيولوجي مع الكتاب:
يهتم علم الاجتماع الأدبي بالبحث في مضامين المؤلفات حيث يتم التعامل مع الكِتَاب كوثيقة بِغَضِّ النظر عن جانبها الجمالي وبُعْدِهَا الخيالي والتعبيري وكذا الغرض الذي تعالجه. إن الكِتَاب مصَنَّفٌ يجمع بين طياته قيما اجتماعية متعددة يمكن استخراجها وتحليلها على ضوء المناهج الاجتماعية السابقة الذِّكر. قد يستطيع الباحث مثلا - عن طريق المناهج الكمية لا سيما الإحصائية منها - أن يعزل ويمحص المعطيات وأن يصنفها حسب كثافتها وتكراراتها في الجداول الإحصائية التي أعدَّها ويمكن بعد ذلك أن يحصل على منحى القراءة المتميزة.
أصبح النص الأدبي موضوعا يستقطب الدراسات المتعلقة بتحليل مضامين النصوص، الشيء نفسه الذي تهتم به الدراسات السوسيولوجية أيضا. يستطيع الباحث الاجتماعي انطلاقا من النص إعادة بناء المضامين المسكوت عنها داخل الخطاب الأدبي، ويقوم بربطها بمميزات الفترة التي تَمَّ تأليف النص فيها، ويستخرج القيم والمعايير الاجتماعية للفترة التي تدور فيها الأحداث، كما يمكن عبر الدراسة السوسيولوجية استخراج مميزات المُؤَلِّف عن المُؤَلِّفِين الآخرين. يتم الاهتمام أيضا بدراسة الجانب اللساني للنص عن طريق إحصاء المفاهيم والمصطلحات اللسانية المُسْتَعْمَلَة في النص خاصة السوسيو- لساني الذي يميز شخصية ما أو تيمة معينة أو فترة ما. كما يتم أيضا تحليل الجانب النحوي عن طريق دراسة مؤلف ما أو عدة مؤلفات لكاتب معين أو عدة كُُتَّاب يجمعهم جنس أدبي واحد أو نفس موضوع.
يمكن أن تساعدنا المعطيات المحصَّل عليها في كشف هوية النص واستراتيجية الكاتب الخفية في تناول المواضيع التي يكتب فيها. من هنا يساعدنا التناول السوسيولوجي للأدب في التعرف على الاتجاهات الإيديولوجية والمعرفية للمؤَلِّفِين وفق الفرضيات التي انطلقنا منها...
5- مكانة الآداب داخل المجتمع:
المجتمع يخلق الأدب والأدب يصور المجتمع... تتم الدراسة السوسيولوجية لعلاقة الأدب بالمجتمع بشكل عام من خلال المحاور التالية:
وضعية الآداب داخل المجتمع المدروس.
انتظارات أفراد المجتمع من المؤلفات الأدبية.
تأثير وتأثر الكتابات الأدبية بالمجتمع.
دراسة الأجناس الأدبية كوسائط تربط التوجه الاجتماعي العام بالأدب، خاصة وأن سوسيولوجيا الأغراض الأدبية تبحث عن تشكل اللحظات التاريخية والاجتماعية لولادة نص معين ومعرفة فترة ازدهاره أو اضمحلاله.
يرمي البحث السوسيولوجي عموما في مجال علاقة الأدب بالمجتمع إلى حصر النتائج المتنوعة لمختلف الفنون الأدبية وتأطيرها داخل منظومة من المجموعات التي تتضمن بدورها مختلف التأملات الاجتماعية المُعََبَّر عنها بواسطة القدرة الفنية والأسلوب الأدبي والحاجات الاجتماعية والأجناس ثم المؤلفات الفريدة مع رصد استمرارية السيرورة الأدبية.
إن سوسيولوجيا الآداب تدرس الأدب وفنونه في علائقه الجدلية مع مختلف المؤسسات الاجتماعية ويدرس أصل الكاتب واللحظة التاريخية التي كتب فيها مؤلفاته. فالعلاقة بين الفعل الاجتماعي "L’action social" هي التي تحدد التداخل الحاصل بين ما هو أدبي وما هو اجتماعي مع مراعاة الجانب النفسي والإيديولوجي في اللعبة لأن الكاتب لا يؤلف من فراغ.
من بين المتغيرات التي تحكم المنهج السوسيولوجي تلك التي ترجع إلى الفلسفة والتاريخ كقاعدة مرجعية لتفسير محتوى الكتاب؛ وقد اهتم بذلك بعض أفراد مدرسة فرانكفورت النقدية لاسيما أدورنو وهوركايمر... في حين استعمل لوسيان كولدمان المنهج السوسيو- جيني لكشف تجانس بنيات الشعور والكيفية التي ترى بها طبقة أو جماعة معينة العالم انطلاقا من بنية الكِتَاب ذاته لأن الربط بينه وبين بنية اجتماعية محددة ممكن... أما الباحث بيير زيما فقد حاول أن يوضح العلاقة بين النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت والمفاهيم السيميائية التي اشتغل عليها، مُشَكِّلا بذلك نقدا اجتماعيا للنصوص.
خاتمة: إن العائق الابستيمولوجي الذي يعترض عالم الاجتماع في مجال الآداب، يتمثل في تداخل وتمازج العناصر السوسيولوجية بالخيال خاصة وأن المؤلفات الأدبية – كالقصة والرواية – يغلب عليها الطابع الخيالي والتصويري... مما يجعلنا نتحدث عن السوسيوغرافيا لا عن السوسيولوجيا. لابد للخيال من أساس واقعي يدعمه ويستند إليه لأن الكتابة الرمزية والتجريدية ترمز إلى أشياء معينة وموجودة في الواقع وهذا ما يجعل السوسيولوجي يربط الخيال بالواقع ويحلله على أساس المحسوس.
|
|
محب العلماء
عضو شرف
وسام النشاط :
البلد : الجزائر
عدد المساهمات : 152
نقاط : 168
تاريخ التسجيل : 18/07/2010
| | موضوع: وقفة مع مصطلح السوسيولوجيا في النقد والأدب .. 2010-08-23, 16:23 | |
| وقفة مع مصطلح السوسيولوجيا في النقد والأدب ....
إن حديثناعن المنهج السوسيولوجي يقودنا إلى التوقف على هذا المصطلح الذس ارتبط بالنقد الأدبي فمنذ بداية تناوله على الساحة النقدية وذلك بعد الحرب العالمية الثانية ارتبط بالتعبير النقدي عن مفاهيم الواقعية الاشتراكية وهي رؤية سادت إلى سنوات الثمانينيات من القرن العشرين وهي الاشتراكية الجدانوفية حيث قدم جدانوف تقريره الشهير إلى مؤتمر اتحاد الكتاب السوفييت عام 1948 بعنوان " إن الأدب كان مسئولا" وهو ما جاراه فيه اللبناني رئيف خوري الذي أصدر من وحي هذا التقرير كتابه " الأدب مسئول" سنة 1968ثم اقتفى خطاه السوري فاروق الشريف بكتابه المستلهم من رؤية جدانوف بعنوان " إن الأدب كان مسئولا " وذلك سنة 1978
بل أكثر من ذلك يبدو المصطلح مطعما بمفاهيم وممارسات نقدية سابقة عليه وبذلك ارتبط مصطلح السوسيولوجيا في الأدب والنقد بشبكة العلاقات الشكلية والدلالية التي تشكل النص فهو نتاج علاقات تاريخية واجتماعية والطريق لدراسة النص هو هذا السبيل الذي يفضي إلى قراءة كل ما هو تاريخي واجتماعي وإيديولوجي وثقافي ومعرفي هذا التمثيل الغريب الذي يجسده النص وبذلك فالسيسيولوجيا في النقد والأدب مصطلح يحاول استيعاب شبكة غير متجانسة من مجالات الظاهرة الأدبية كالتلقي والنسق الثقافي والتداولية وغيرها .
يبقى أن المؤطر الحقيق لهذا المصطلح على مستوى الساحة النقدية العربية هي آراء روجي غارودي وآرنست فيشر و جورج لوكاتش خاصة هذا الأخير إلى تلك الرؤى التي حاولت التناغم مع الشكلانية اللغووية المشبعة بالماركسية وهو ما يلتجئ فيه الأدباء والنقاد العرب إلى ما خلفه ميخائيل باختين ولوسيان غولدمان
لكن يبقى أن السيويولوجيا علم لم يحظى بدوره في الساحة العربية إذ لا زلنا نستبعد نتائجه بينما الغرب يبني رؤاه وطموحاته على نتائج هذا العلم بل إن الكيان الصهخيوني سنويا يترجم آلاف الروايات العربية ويدرسها دراسة سوسيو لوجية ليقف من خلالها على خصائص مجتمعاتنا العربية آمالها طموحها تماسكها أو تنافرها الاجتماعي مدى تحضرها ومدى تقبلها لهذا الكيان ومدى قابليتها لخوض غمار تجديد مآثر الحضارة التي ازدهرت ذات يوم في هذه الأرجاء...
محب العلماء
|
|
