قراءة في كتاب
مصادر الأصفهاني في كتاب الأغاني
محمود كريم الموسوي
لا أعتقد أن هنالك مكتبة عامة ، أو تجارية تتعامل بتسويق الكتـب ، أو مكتبة شخصية بيتية ، أو مكتبية لم يزين كتـاب الأغاني بأجزائه الأربعة والعشرين واجهتها ، بواحـدة من طبعاته العديدة ، حتى نجد الكتاب يتصدر الحديث عندما يكون عن محتويات مكتبة ، أكثر مما يكون الحديث عن أهمية الكتاب وقيمته التاريخية والأدبية والفنية 0
وأبو الفرج الأصفهاني الذي ألف كثير من التصنيفات ، لم يشتهر منها بمثل ما اشتهر به كتاب الأغاني ، هو علي بن الحسين بن محمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي ، ولد في أصفهان سنة 284 هـ وتوفي على أكثر الظن في 356 هـ 0
وانقسم المؤرخون ، وجمهرة الأدباء ، إلى فريقين في تقييم أبو الفرج الأصفهاني مـن حيث نقل الرواية على وفق ما جاء به من روايات في كتابه الأغاني ، فمنهـم من عـده من الرجال القلائل في إمكانياته مثل التنوخي الذي قال فيه : ( كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لن أر قط من يحفظ مثله ) 0
ومنهم من شن هجوما على ما اعتمده من الرواة وعده كاذبا ، وقد أفلح منهم الأستاذ وليد ألأعظمي في أن يصدر كتابا بعنوان ( السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني ) ويطبعه طبعات عدة ، منها ( 1988 و 1990 القاهرة ) و ( 1993 الجزائر ) و (2000 بغداد)
ومهما تكن الآراء في أبي فرج الأصفهاني ، وفي رواته ، ورواياته ، فالرأي في كتاب الأغاني عالي الشأن فجاء في دائرة المعارف : ( لا يعتبر أهم مرجع للتاريخ الأدبي إلى القرن الثالث الهجري فحسب ، بل يعتبر كذلك أهم مصدر لتاريخ الحضارة ) 0
وفي وصف للكتاب يقول الكاتب سعدون هليل المنشد في جريدة الصباح ( (232) الصادرة في 13 / 4 / 2004م : ( الأغاني كنز وذخيرة أدبية وتاريخية كبيرة تصور لنا حياة العرب في الجاهلية والإسلام وكل من الدولتين الأموية والعباسية ، احتوى كتاب الأغاني على مئات من تراجم الشعراء والمغنين وعلى أخبار العرب وأنسابهم ووقائعهم ، ولم يقتصر على الغناء وإنما زودنا بأخبار نحو 460 من الشعراء والمغنين والمغنيات والعشاق والغلمان و الظرفاء وأخبار الخلفاء والقواد ومن نبغ من أبنائهم وبناتهم في الشعر والغناء وأخبار العرب وأنسابهم وغزواتهم وكذلك وصف مآكل العرب ومشاربهم في بداوتهم وحضارتهم وذكر عشقهم وأنواعه ووسائل لهوهم وزواجهم وطلاقهم) 0
وتأليف الكتاب كما ذكرت الروايات قد سلخ ( 50 ) سنة من عمر أبي الفرج الأصفهاني ليقدمه هدية إلى سيف الدولة الحمداني فيحصل على ألف دينار هدية التي رآها الحاكم بن عباد قليلة لذلك الجهد المضني فارسل بطلب نسخة مقابل ألف دينارا عينا ذهبا وقد حصل 0
وبغض النظر عن الآراء المتضاربة في كتاب الأغاني وفي صاحبه أبي الفرج الأصفهاني فالكتاب قد اعتمد مصدرا لكثير من الباحثين والدارسين وطبع طبعات متعددة ومتلاحقة تظهر مدى أهميته في الساحة الأدبية والتاريخية 0
وفي عامنا هذا ( 2013) نزل إلى الساحة الأدبية الشاعر المبدع شكر حاجم ألصالحي بمنجزه ( مصادر الأصفهاني في كتاب الأغاني ) الصادر عن تموز للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق فارشا مادة بحثه على ( 245 ) صفحة من القطع الاعتيادي ( ألوزيري ) ، وهو إذ فعل فقد أبلغنا رسالة إن كتاب الأغاني مازال حيا في الذاكرة الأدبية والتاريخية لم يهمل ، أو يشيخ ، كما أراه أجهد نفسه في التقاط جميع الرواة الذين أعتمدهم الأصفهاني ، وبتجرد دون انحيازية أو انتقاء، ليضعها أمام القارئ وقد فسح لـه المجال في أن يظهر ما يراه من الرأي ، بل عمـد إلى بيان مصادر الأصفهاني كافة ، مؤكدا عدم اعتماد الأصفهاني في صنع كتابه على الرواة فقط ، ولعمري إن كتاب الصالحي ، سيكون في البحث والدراسة من قبل الفريقين المتناقضين ، كل يبحث فيه عما يسند رأيه ، وقد عرض لهما مصادر الأصفهاني مرتبة بأبواب متتالية 0
ولأهمية منجز ألصالحي أرى قبل أن اعرض مادته أن اقترح اقتنائه من قبل الذين سبق لهم اقتناء كتاب الأغاني و ليكون مكانه ملاصقا للجزء الأخير من كتاب الأغاني لأنه فهرسة متخصصة مهمة في بيان مصادر الكتاب المبعثرة في متون أجزائه وهو بحث كما يقول ألصالحي : ( لم يسبقنا إليه سابق على قدر علمنا ) ص 7 0
وزع ألصالحي مادة بحثه في أبواب أربع ، فجعل الباب الأول في حياة أبي الفرج الأصفهاني ومؤلفاته فذكر ( 38 ) مؤلفا ، ليقول : ( من المؤسف أن لا تصل إلينا غالبية هذه الثروة الأدبية والتاريخية ، في ميادين الأدب والتاريخ والأنساب التي تدلل على سعة أفق أبي الفرج وكثرة جهوده في التأليف والتصنيف والتحقيق والنقل ) ص 17 ، ثم أوضح نهج أبي فـرج في تأليف الأغاني وهو يقول : ( اتبع أبو الفرج نهجا خاصا في تأليف " الأغاني " ، يمكن اعتباره نهجا فريدا في بابه من حيث الأسس التي اعتمدها ، فبالإضافة إلى سلاسة الأسلوب وطلاوة اللغة وفصاحتها وجاذبية مفردات الكتاب ، ألزم أبو الفرج نفسه بجملة من الشروط بحيث جاء الكتاب مثارا لإعجاب الأدباء المتخصصين واستحسانهم فضلا عن القراء ) 21 ، انه تشخيص دقيق من ألصالحي فيما أوجد الكتاب من مكانة له في الاختصاص والعموم ، بل ربما قراء العموم أكثر من قراء الخصوص لسعة انتشار الكتاب والراحة والمتعة عند القراءة فيه0
أما الفقرة الأخيرة من الباب الأول التي جاءت بعنوان ( الأغاني ومصادره ) فيقول فيها ألصالحي: ( وقد اعتمد أبو الفرج جملة كبيرة من المصادر المختلفة في تهيئة مادة كتابه ) ص 35
وحيث عكس ألصالحي ترتيب المصادر التي اوجز لها في الفقرة الثالثة من الباب الأول فقد كانت ( الرواة ، الكتب ، الرسـائل والمكاتبات ) فجاء الباب الثاني مختصا بالرسائل والمكاتبات فقال في مقدمة الباب ( تشكل هذه الرسائل والمكاتبات أهمية فليلة جدا قياسا إلى المصادر الأخرى كالرواة ، والكتب ، وربما كانت أهم الرسائل تلك التي تبادلها مع الفضل بن الحباب الجمحي قاضي البصرة ، وتنحصر أهميتهـا في كـون الفضل يروي عـن عمـه محمد بن سـلام صاحب " طبقات الشعراء " ) ص 45 وأورد في ذلك ( 23 ) مصدرا وقد أورد مواضعها في كتاب الأغاني معتمدا على طبعة دار الشعب بالقاهرة في بحثه ، وتقصيه 0
وتضمن الباب الثالث ، الكتب التي اعتمدها الأصفهاني ، مصادرا في وضعه كتابه الأغاني فيقول عنها ألصالحي : ( تأتي قائمة الكتب التي اعتمدها أبو الفرج في تأليف " الأغاني " في المرحلة الثانية من الاهمبة بعد الرواة ورواياتهم وهي ــ بمجموعها ــ تشكل جانبا مهما من الأخبار والشواهد الشعرية وتفصيلات الأحداث ، فضلا عن انه اعتمدها لتحقيق نسبة الأشـعار إلى قائليها أو تحقيق الأنساب والإشعار ، أو الركون إليها في تصحيح وتحقيق الأخبار والأشعار والأنساب والكنى والموالاة ) ص 51 0
واستطاع ألصالحي أن يحصي ( 222) كتابا توزعت في الموسيقى والغناء ، والأدب ، ودواوين شعر ، وكتب انساب وتاريخ وتراجم وأخرى كثيرة 0
كما أحصى الأخبار والروايات التي نسخها الأصفهاني فبلغت ( 636 ) رواية وخبرا كان أكثر تلك الكتب حضورا كتاب ( البارع في اخبار الشعراء المولدين ) لصاحبه ( هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم البغدادي ) الذي نسخ منه ( 32 ) خبرا ورواية ، وقد رتب ألصالحي الكتب أو أصحابها في حالة عدم ذكر الكتاب على وفق الترتيب الالفبائي ( الهجائي ) ليعين القارئ في الرجوع اليها بيسر وسهولة
وفي الباب الرابع ( الأخير ) وقبل أن يذكر لنا أسماء الرواة مرتبة على وفق الترتيب الالفبائي اظهر طرق الأصفهاني في التثبت من حقيقة الرواية وأصلها مبينا لنا تلك الطرق بأربعة رسومات توضيحية ، ثم أشار إلى اهتمام المؤلف بصحة الرواية فأورد ( 14 ) مثلا ، ثم قال : (تؤشر الأمثلة المتقدمة في نقد الرواة توخي أبي الفرج الدقة في نقل الأخبار والشواهد الشعرية إلى القارئ بموضوعية) ص 157 ، واني أرى إن ألصالحي قد أنصف الأصفهاني فيما أورده من رأي حين يقول : ( ولا يكتفي أبو الفرج بتقسيم الرواة ، وإنما يتجاوز ذلك إلى تصحيح رواياتهم) ص 157 ، وأورد ( 25 ) مثلا ، ومنها : ( نفـى رواية جحظة البرمكي عن هجاء مسلم بن الوليد لمعن بن زائدة وقال إن مسلما " لم يلق معن بن زائدة ولا له فيه مدح أو هجاء " مستندا في ذلك إلى تحقيق شعر مسلم ) ص 161 0
ولم يقف ألصالحي عند ذلك بل جاء بالشواهد على تصحيح نسبة الشعر بـ ( 32 ) مثلا سبقها القول : ( قام أبو الفرج بتصحيح نسبة الشعر إلى قائليه وراويته بشكل سليم بعد التوثق منه والرجوع الى مصادره الأصلية ) ص 162 0
وبعد أن ذكر ( 193 ) اسما للرواة الذين أعتمدهم الأصفهاني في صنع كتابه الأغاني ، اخذ (حمد بن محمد بن إسحاق بن أبي حميصة المكي المشهور بالحرمي ابي العلاء ) أنمـوذجا للرواة ثم أوضح لنا إن الأصفهاني أخذ منه ( 88 ) حكما نقديا ، و ( 136 ) شاهدا شعريا ، و ( 142 ) خبرا عن الشعراء ، و ( 63 ) خبـرا تاريخيا ، و ( 15 ) خبـرا في الأسـماء والأنساب والكنى ، و ( 32 ) خبرا من أخبار متفرقة ، وقد أتى ألصالحي بمواضع كل تلك الروايات والأخبار في مجلدات الأغاني بدقة تبين سعة الجهود التي بذلها ألصالحي في رد الشبهات عن الأصفهاني ومصادر كتابه الأغاني 0
أرى أن يلازم كتاب ألصالحي كتاب الأغاني أينما وجد لأهمية الاطلاع عليه قبل الاطلاع على كتاب الاغناني نفسه ، فهو لم يكن دليلا مهما فحسب ، وإنما مفتاحا لنفسية القارئ في قراءة صحيحة لكتاب الأغاني ومن الله التوفيق 0