يوسف تغزاوي عضو نشيط
البلد : المغرب عدد المساهمات : 24 نقاط : 72 تاريخ التسجيل : 02/12/2011
| موضوع: النقد بين أجناس الدرس الأدبـي 2014-01-24, 17:34 | |
| د. يوسف تغزاوي. النق د بين أجناس الدرس الأدبـي تـ مــهــيـد : إن ما يدفع إلى الحديث عن أجناس الدرس الأدبي، هو الأدب نفسه، موضوع الدرس، فهو بقدر ما هو نظام تعمل على اكتماله وتذوقه عناصر فنية، بقدر ما هو عبارة عن إبداعات معينة تسللت عبر الحقب والأزمان، وتبادلت مع المحيط الخارجي التأثر والتأثير. وهذه البديهية هي ما أشار إليها مؤلف كتاب «نظرية الأدب» حيت قالا : «علينا أولاً أن نميز بين النظر إلى الأدب كنظام غير خاضع لاعتبارات الزمن، وبين النظرة التي تراه في الأصل على أنه سلسلة من الأعمال المنظمة حسب نسق تاريخي، وعلى أنه أجزاء متممة للعملية التاريخية» . ففي النظرة الأولى التي تجعل نظاماً مستقلاً، ينشأ جنس يهتم بدراسة الأدب من حيث مكوناته عموماً، دون اعتبار خصوصية أدب ما... إنها نظرية الأدب التي تبحث عن المكونات الأدبية، أي ما يجعل الأدب أدباً، وبذلك يهتم هذا الفرع من الدراسة باستخلاص مبادئ الأدب ومقولاته ومعاييره، تماماً كما يفعل الباحث في علم الاجتماع والأخلاق مثلاً، فكما أن هناك مقولات الحق والصدق في الأخلاق تصح في كل الأحوال، ومقولات عامة في المنطق والرياضيات مثل 1 + 1 = 2، فإنه من اللازم الإيمان بوجود المقولات في ما يتعلق بالأدب. لكن إلى أي حد تعتبر هذه المقولات مجردة؟ أو بعبارة أخرى إلى أي حد يستطيع أن يقفز المنظر الأدبي عن الحقائق الأدبية المتعينة؟ وهل بإمكانه أن يغض الطرف عن الإنتاجات الأدبية المخصوصة كما يفعل عالم الرياضيات مثلاً؟ إن هذه الأسئلة جوهرية في نطاق دراسة الأدب، وهي من ناحية أخرى تفضي بنا إلى قضية الذاتية والموضوعية في الدرس الأدبي . وإذا كانت هذه النظرة الأولى أكثر تجريداً، فإن النظرة الثانية بخلافها، أكثر تجريباً إذ يهمنا في المقام الأول الارتباط بالإنتاجات الأدبية والإنصات إلى نبض الفن فيها بالقدر الذي تتحسس فيها نبض الحياة. ويندرج ضمن هذا التصور مجموعة أجناس واصفة للأدب إن اتفقت فيما بينها من حيث الفحص الدقيق للعصور والظواهر الأدبية ورسم معالم الحياة الفنية للمبدعين وتتبع خصوصيات التجربة الفنية في النصوص مبتعدة بذلك أشواطاً عن التنظير للأدب بوجه عام أيا كان هذا الأدب، فإن هذه الأجناس تتمايز فيما بينها أيضاً انطلاقاً من الموضوع الأدبي الذي تعالجه من جهة، واعتبار المسألة التجريد والتجريب ودرجة حضورهما في الجنس أو ذاك. وإذا كانت نظرية الأدب تتربع قمة التجريد والنقد الأدبي، من حيث أنه يعنى بالإنتاجات الأدبية مفردة، يؤسس قاعدة التجريب، فإن بين هذين الجنسين الواصفين للأدب أجناساً أخرى أبرزها الدراسة المتخصصة في الأدب وتاريخ الأدب. ويحسن أن نرسم صورة مختصرة لهذه الأجناس وأن ننظر في علاقة بعضها ببعض. 1- نـظـريـة الأدب : يغلب على نظرية الأدب، كما يدل على ذلك الاسم، الجانب النظري في الأدب، فهي تهدف إلى تحديد الأدب : مفهومه، ووسائله والغايات منه ، وترسم معالم أجناسه، وطرق الأداء الخاصة بكل واحد منها . أ- المسـألـة الشعـريـة : وفيما يتعلق بمفهوم الأدب نجد أن الدارسين اختلفت نظرتهم إليه باختلاف لغاتهم وثقافتهم. فالأدب في الإنجليزية والفرنسية مأخوذ من كلمة litera ومعناها الأدب المكتوب أو الأدب المطبوع ، لكن ليس الأدب هو المكتوب أو المطبوع فقط، فقد مرت على تاريخ البشرية فترات كان التدوين فيها ضعيفاً أو منعدماً. لهذا تتفوق كلمتا work Kurst الألمانية وslovesnost الروسية . على أن الجمع بين المفهومين أو المرحلتين، الشفوية والكتابية قد لا يحل المشكل تماماً، فإن ما نكتبه ليس إلا تسجيلاً للون أدبي، كما أن ما ننطق به يتغير بين لحظة وأخرى لأنه يتلون بمواقفنا ومشاعرنا وكل ملابساتنا. وإذن تبقى مشكلة تحديد الأدب قائمة حتى حين نعتبر القصيدة مثلاً هي مجموع القراءات المختلفة للنص المكتوب أي أنها قوانا العقلية والشعورية التي تتولد في ذاتنا خلال عملية القراءة أو الاستماع إلى نص يقرأ، لأن كل ذلك مشروط بأحوال وظروف مختلفة، حتماً. ومعنى هذا أننا سنوسع دائرة الأدب أكثر، فنضيف إليها المحيط البشري والطبيعي وكذا العقلي والثقافي الذي يتأثر به الإنسان. لذلك لا مفر من تضييق زاوية النظرية الأدبية قبل ازدهار الدراسات الشعرية والأسلوبية والسيميائية منذ سنوات الستين، واعتبار الأدب النصوص المكتوبة التي تثير فينا متعة خاص، تختلف عن المتعة العادية، أو غير الغالبة، تلك التي نجدها مثلاً في كتابات علمية أو ذات طابع علمي كالكتابة التاريخية... وحين نمعن النظر نجد أن المتعة الفنية الكبرى التي يخلقها الأدب فينا ناتجة عن كونه مرتبطاً بالحياة بوجه عام. وهذا الارتباط إنما يخلقه الأديب باعتباره واسطة بين الحياة وبين القراء. وحين نحلل الأدب لإلى مكوناته التي تجعله ممتعاً نجدها لا تخرج كثيراً عن هذه الأمور : الفكرة والشعور الذي يلون الفكرة ويطبعها بطابع الأدب الخاص، والصورة أو الخيال، وطريقة التأليف . وقد عرف الأدب، وقت ذاك أي قبل العقد الستيني، مذاهب كان كل واحدا منها يركز على جانب من الحياة التي ترتبط بها الأدب. فكانت الكلاسيكية تصويراً لحياة اجتماعية وفكرية يسودها الاستقرار وتنضبط بالأحكام، وجاءت الرومانسية تعبيراً عن حياة فردية تطبعها الثورة والتمرد، والانطلاق والحرية ، وأعقبتها الواقعية بمختلف شعبها لتصور الحياة البشرية في ضعفها وخستها (الواقعية النقدية) أو في قوتها وخلاصها (الواقعية الاشتراكية). والحق أن مفهوم الأدب قد أصبح غنى وثراء وهو يتقلب على فترات تاريخ البشرية واكتسى ثوباً قشيباً من خلال رفله في تلك الحلل والمباذل. غير أن من الدارسين من رأى مع ذلك أن أفراس الأدب كانت أكثر جموحاً وأنها بحاجة إلى من يكبحها، فكانت مسألة التصنيف. ب- المسألة التصنيفية الأجناسية : شهد الأدب والفن نظريات كبرى طوال التاريخ فقد كانت بداياتها الرسمية مع كتاب الشعر لأرسطو، واستمرت في العطاء حتى أيامنا هذه من خلال جهود المهتمين بمسألة القراءة والتقبل للإنتاجات الأدبية. ومع أن نظريات الأدب كثيرة فقد تم حصر أهم النظريات التي أثرت بشكل كبير في الأوساط الأدبية والفنية. وربما كان لأبراس في كتابه (المرآة والمصباح) (M.H. ABRAHAMS, The mirror and the lamp, 1933 orford university press) الدور البارز في تجلية أربع نظريات كبرى في تاريخ الفن، وتاريخ الشعر بوجه خاص. وقد استند المؤلف في عمله على ما قدمه العالم النفسي النمساوي بوهلر (K Buhler, Die aiomatik der sprachwissenschafren kant studien, 1933) في مجال إدراك مختلف الوظائف اللغوية. وقد مثل كل منها لتصوره للموضوع بواسطة خطاطة على الشكل التالي :
ويمكن ملاحظة التشابه الكبير لتصورهما (تصنيفهما) من خلال الخطاطتين. وقد استخلص أبرامس من ذلك نظريات كبرى : 1- النظرية الإيمائيـة (أو الإيحائية) : Théorie mimétique، وترى أن الفن هو، أساساً، محاكاة مظهر من مظاهر الكون. 2- النظرية التعبيرية : وتعتقد أن الشعر امتداد الأفكار والأحاسيس، أفكار وأحاسيس الشاعر. 3- النظرية الموضوعية : وتعتبر الشعر أو القصيدة وحدة مستقلة بذاتها، ومكتملة بعناصرها. 4- النظرية البرغماتية : The pragmatique stylistique، وعندها أن الفن (الشعر) له هدف هو التأثير على القارئ . فأما النظرية الأولى، فإن أرسطو حدد فيها الشعر (بالمعنى العام للكلمة) في المحاكاة، وجعل غايته التطهير cathaussis في جنس المأساة خاصة، كما بين وسائل كل من المأساة والملحمة وطرق البناء في الأولى . ومع أن أرسطو لم يركز إلا على جنس المأساة، فإن نظريته في الشعر كفيلة بأن ترسم الحدود بين الأجناس الشعرية المعروفة، على اختلافها. وهذا هو ما قام به الشراح الإيطاليون والفرنسيون في المرحلة الكلاسية ، ونظرية الشعر الغنائي . وقد بقيت الآراء الأرسطية بحذافيرها، أو معدلة، حتى نهاية العسر الكلاسي وبداية المرحلة الرومانسية في منتصف القرن الثامن عشر. على أن الكلاسيين بقدر ما كانوا ينظرون للأدب بقدر ما كانوا يرجعون إلى الوقائع الأدبية بقصد التطبيق أو بهدف تعديل المبادئ التي كانوا ينطلقون منها، حتى إذا جاء القرن التاسع عشر بكل ما يحمله من الثورة في الصناعة والاقتصاد وتقدم في العلوم الرياضية والبيولوجية تغيرت نظرة الدارسين إلى الأدب، وعوض أن يؤمنوا بأنه محاكاة للمشاعر أو الواقع أقروا في غمرة الإيمان بقيمة الفرد وقوته بأن الأدب تعبير عن مشاعر الإنسان الفرد، وإبراز لروحه وللجانب الأخلاقي فيها ومكانتها، بعيداً عن تيار المادة الجارف. ولعل ما يميز هذه المرحلة (أو النظرية النقذية الثانية) الناقد سانت بوف Sainte Boeuve في فرنسا والناقد ماثيو ارنولد Marthiew arnold في إنجلترا. يقول الربيعي فيه : «وينبغي أن يقال إن هذه الجرأة الظاهرة في إحلال الشعر محل الدين لا تعني أن أرنولد كان متحرراً، إنه ناقد محافظ بإجماع الآراء. لقد أراد أن ينقد الروح الإنسانية من ثورة المادة الجارفة. وقد رأى في الشعر قبساً إلهياً يجعله داخلاً في صميم الدين، ولذا فإن دعوته إلى الشعر إنما دعوة إلى الدين» . ومن الجدير بالملاحظة أن النظرية الإيمائية والتعبيرية هيمنتا على الدرس الأدبي ردحاً طويلاً من الزمن. أما النظرية الثالثة والرابعة فحديثتان قياساً إلى السابقتين. وقد اهتم الدارسون بالنظرية الموضوعية بعهد اكتشاف تراث الشكلانيين بعد سنوات الستين وكان للجهد الذي قدمه رومان جاكبسون أبرز أقطابهم أثره البالغ مشرقاً ومغرباً في هذا المجال. ويرجع ‘لبيه الفضل في تحديد وظائف اللغة (ومن تم تصنيف الأجناس الأدبية). من خلال خطاطته المشهورة التي ظهرت في الفرنسية في بداية العقد الستيني. وقد اتكأ فيها على خطاطة بوهلر Buhler السالفة الذكر وطرها كثيراً : المـرجــع (مرجعية) الرسالة (شعرية) المتلقي ............................... السنن (الشفرة) .................................. الباث (اللغوية) (إيعازية) (أو ميتالغوية شرحية) (تعبيرية) ولقد انبثق عن هذه النظرية في تضافر مع جهود اللسانيين الغربيين أمثال ف. سوسير F. de Saussure، الاتجاهات البنيوية في الأدب. ومع أن النسخة العربية للدراسة البنيوية جاءت معدلة نتيجة للرصيد العربي الفني في مجال دراسة الأدب والشعر خاصة، ونتيجة للظروف العربية الحضارية المؤطرة لعملية المثاقفة، فإن الإفادة من البنيوية الغربية ومن النظرية الموضوعية للأدب كانت كبيرة. وتبق نظرية القارئ التي كثر حولها الكلام في العربية منذ عقد أو يزيد، بعد أن استقام عودها عن الألمان خاصة (مدرسة كونستانس) آخر ما يشغل المنظرين للأدب في الوقت الراهن. وهي كسابقتها ليست جديدة تماماً في العربية، فقد كان بالإمكان إحياء جهود المناطقة والأصوليين المسلمين في نطاق الدلالة واستثمار كل ذلك في مجال نظرية الأدب ودراسته لأن «الدلالة عند أهل العربية، هي فهم المقصود لأفهم المعنى مطلقاً بخلاف المنطقيين فإنها عندهم، فهم المعنى مطلقاً سواء أراده المتكلم أو لا» ومعلوم أن قصد المتكلم في الكلام أهم ما ركز عليه الأصوليون، لأن معرفة قصد الشارع هو الأساس في معرفة الأحكام واستنباطها، وكان بالإمكان استخلاص نظرية عربية وفق ما سطره الأصوليون إلا أن الأدباء استهوتهم أعمال سورلي Searle وإيزر Izer وياوس Jauss أو كانت أعمالهم أيسر فهماً وأشمل تناولاً ومن تم أكثر إغراء. ولئن كانت نظريات الأدب الأربع تختلف فيما بينها من حيث الفلسفة التي تسند كل واحدة، فإنها جميعاً تتفق في تجريدها، وصوغها لقوانين عامة تخضع لها سائر الأجناس الأدبية، وهي من ثم لا تنصت إلى الأعمال الأدبية إلا على سبيل اختيار تلك القوانين أو محاولة استنباط أخرى، ولعل تاريخ الأدب أكثر جمعاً لجانبي التجريد والتجريب في الأدب. 2- تــاريــخ الأدب : ومعناه أنه يبحث العلل والظواهر والمذاهب، ويعالج الأسباب التي تؤدي إلى ظهور عصور أدبية وانقراض عصور أخرى. فمادته إذن هي الأدب أي مجموعة من الإنتاجات ومن الأدباء والآداب ، وتبيان الترابط والاختلاف بينها. وقد عرف تاريخ الأدب، وهو علم حديث عند الأوروبيين ، عدة طرق وأنحاء، منها، وهو المشهور، تاريخ الأدب بحسب عصوره على اعتبار أن المحيط الاجتماعي والسياسي والفكري والضاري بوجه عام، يلون الأدب ويصبغه بصبغته، وهذا هو المعروف عند الدارسين بالمؤثرات العامة في الأدب، وأكثر كتب تاريخ الأدب عندنا من هذا المنحى، ويرجع السبب في ذلك إلى أثر كتب التراجم والطبقات القديمة فيه. وتأثير الاستشراق في من تناول التاريخ للأدب العربي عندنا منذ البعثات الطلابية العربية إلى الغرب في نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم. ومن طرق أو مناهج التاريخ للأدب بحسب العلوم والأجناس والفنون. ويعتبر مصطفى صادق الرافعي رائد هذا المنهج في العربية في كتابه «تاريخ آداب العرب» بأجزائه الثلاثة، ثم ازدهر في الوقت الحاضر للأجناس والفنون كتاريخ المسرحية والقصة والشعر الحديث وما إلى ذلك، بل قد ضيقت زاوية النظر فبحث مثلاً، جانب أو ظاهرة من هذه الأجناس كظاهرة الغموض في الشعر... والمكتبة العربية يكثر فيها هذا اللون من التأريخ. ولعل الذي أدى إلى ازدهار تاريخ الأدب كجنس يدرس الأدب، في العصر الحديث، هو مفهوم التطور الذي عرفته العلوم البيولوجية خاصة. على أن مفهوم التطور لم يكن غير مألوف في العصور القديمة ولو بشكل م الأشكال، من ذلك مثلاً أن أرسطو بين في كتابه «فن الشعر» أن التراجيديا تطورت عن فن الديثرامب ، ثم سادت هذه الفكرة نوعاً ما في القرون الوسطى وفي عصر النهضة. غير أنها إنما ازدهرت في القرن التاسع عشر (ف. برونتيير F. Brunetière) بوحي من الازدهار الذي عرفته العلوم الطبيعية (ش. داروين Ch. Darwin). ومما نسجل هنا أن تاريخ الأدب غلب عليه، منذ نهاية القرن الماضي، إخضاع الأدب للمحيط السياسي والاجتماعي والثقافي حتى إن كتابات في الموضوع كانت أكثر دوراناً في فلك الأدب أكثر من انشغالها بالأدب نفسه، فأصبحنا نجد المؤرخين يضطرون إلى الحديث عن هذا المحيط قبل بداية الحديث عن الأدب، وحينما يشرعون في دراسة الأدب فإنما لكي يجدوا فيه الوثيقة والحجة على صدق ما ادعوه بصدد العصور السياسية والاجتماعية . وبما كان هذا ما دفع جماعة من المؤرخين للأدب إلى اعتماد القسمة الفنية للعصور، عوض القسمة للمنية فظهر اتجاهان في هذا المنحى، أحدهما أصيل رام فيه أصحابه استخلاص مدارس فنية في الأدب العربي انطلاقاً من الالتصاق بهذا الأدب وفحص مستوياته الفنية والعقلية والشعورية (ومن أبرز ما ظهر في هذا الاتجاه عمل د. طه حسين بخصوص المدرسة الحسية أو الأوسية في الشعر العربي في كتابه «حديث الأربعاء»، وكتاب د. محمد نجيب البهبيتي عن تاريخ الشعر العربي إذ جعله ثلاث مدارس : فنية وعاطفية وعقلية، وثاني الاتجاهين منقول عن الغربيين، وهو الذي يجعل الأدب العربي يخضع لمدارس كالكلاسية والرومانسية والواقعية وما إلى ذلك، والنماذج هنا لا تحصى من كثرة. وهكذا فإن الدارس في تاريخ الأدب يكون موضوعه ومجال اشستغاله عدداً من العصور أو الظواهر أو مجموعة من الأدباء يسلكهم في إطار مرحلة أو مدرسة أو مذهب، على أن الدارسين من يهمه أن يعنى بأديب بعينه، ويسلك من ثم في دراسته سبيل المؤرخ للعصور والمذاهب الأدبية، وهذا العمل يندرج في نطاق جنس الدراسة المتخصصة في الأدب. الدراسة المتخصصة في الأدب : يجعل ر. ويليك وأ.وارين هذه الدراسة المتخصصة في دراسة الأدب في علاقته بالسيرة. ويذهبان إلى أن «أوضح أسباب وجود العمل الفني وجود صانعه، المؤلف، لذلك كان إيضاح العمل من خلال شخصية الكاتب وحياته من أقدم مناهج الدراسة الأدبية وأقواها» . والواقع أن التعرف على حياة الشاعر الظاهرة تحل كثيراً من غموض العمل الأدبي، بل إن كثيراً من النصوص لا تعرف حق المعرفة ما لم نطلع على حياة صاحبها، ولهذا نجد كثيراً من الدراسات الأدبية قد اتخذت هذا المنهج، منهج السيرة، في الشرق وفي الغرب، طريقاً للدراسة. ويمكن أن نعتبر كثيراً من الأعمال والرسائل الجامعية، رغم غرفها من مناهج أخرى ستمر على بعضها، تجعل حياة المؤلف المنطق والغاية. إلا أن هذا المنهج السيري، إذا كانت له كلمة الفصل في كثير من الدراسات والحالات، وإذا كان قد طبق باقتدار وأوصل إلى الغاية عند كبار الدارسين من جعلوا الحياة الشخصية للأديب مجرد مفتاح لشخصيتهم الأدبية، فإن دراسات أخرى أغفلت هذه الغاية، وأصبحت النصوص الأدبية لا تزيد عن كونها وثيقة يرجعون منها إلى الحياة الشخصية، دون أن يقدموا جديداً بتلك السيرة إلى الأعمال المدروسة. لهذا كان من اللازم أن يسند هذا المنهج السيري منهج ثان في الدراسة المتخصصة في الأدب، وهو منهج أكثر موضوعية من سابقه، نشأ بالإنجازات التي حققتها العلوم الطبيعية في القرن التاسع عشر. وينعت هذا المنهج بأنه جامعي أو أكاديمي أو موضوعي، ويجمع فيه أصحابه بين المنهج السيري الآنف الذكر ومنهج الشروح ووضع الفهارس لأعمال أديب معين. وهذا ما نص عليه ستانلي هايمن، وهو يعرض أهداف الدراسة الأدبية بمنهجيها السيري والأكاديمي. يقول : «أن الموروث في لدراسة الأدبية التخصصية في حقل الأدب لهو موروث رحيب المجال، فتفريعاته لا تنتهي إلى حد، وتحت كا فريع من فروع يستطيع الدارس المتخصص أن يقضي حياته في محتوى خصيب مثمر. فمن قبيل ما يعمله أن ينشئ نصاً صحيحاً باستفاذه من حمأة التحريفات والتصحيحات وما تتعذر قراءته في المخطوطات، بل ما هو بياض في الأصل، وأن يشرح نصاً برده إلى أصوله، وتوضيح معانيه الغامضة، وإجراء المقارنات فيه، وعرضه على المراجع التاريخية التي يمكن الحصول عليها، والإفادة من كل المقاييس التي تبدو مهمة، وأن يزود القارئ بالسيرة الصحيحة للأديب، وبتاريخ الأدب الذي يرتبط فيه كتابه ببعض السياق أو القرائن، أو بالدراسة المقارنة بغيره من الكتب ولمتون، وأن يعد أخيراً أجهزة لا نهاية لها من الاطلاع وفهارس المصادر والتواريخ، وفهارس الألفاظ وعدد الكلمات والدراسات أو الرسائل التي توضح مسائل مفردة، والطبعات الجديدة والترجمات والمجاميع، وهل تحوي الطبعات قراءات متنوعة لدارسين أو نصوص متعددة؟، والكتب، أهي مختصرة أم مجموعة مختارات أم متون للدرس، وغير ذلك من أمور؟» . ومع أن عمل الدارس المتخصص في الأدب، كما يبدو من خلال ما تقدم عمل جبار، وموضوعي وشامل يحاول فيه صاحبه أن يتخلص من أهوائه إلا أن بعض المهتمين بالأدب (النقاد خاصة) لكم يكونوا ينظرون إلى الدارس بعين الرضى والعكس صحيح. «لم تكن العلاقات بين الدراسة المتخصصة في الأدب والنقد طيبة كثيراً في أيامنا، ذلك أن الدارس المتخصص ليس في نظر الناقد إلا امرءاً جامعياً أتى عليه الدهر، وقصارى همه من الشعر العظيم أن يعد ما فيه من شولات وفواصل، كما أن الناقد في نظر الدارس ليس إلا امرءاً طائشاً يجمع في أحكامه الجارفة عن الأدب بين عناصر متساوية من الجهالة والسلاطة. ومن سوء حظ العلاقة بين هذين الميدانين أن تكون هاتان المهمتان صحيحتين في أساسهما، فإن الجامعات مكتظة حقاً بمن أتى عليهم الدهر، والمجلات حافلة بالطائشين، وأكثر دارسينا المتخصصين يفتقرون كثيراً إلى المعرفة، وقليل هم النقاد المعاصرون الذين حرصوا على الجمع مثل عزرا باوند بين التطبيق في مجالهم السليط وبين الدراسة التخصصية الأصيلة، وقليل هم الدارسون المتخصصون الذين حرصوا على أن لا يساهموا في النقد بقسط كمن الخيال الأصيل» . والواقع أن إصدار الأحكام على النصوص كما في هذا النص، وإن كان جوهر العملية النقدية أو وظيفة من وظائفها الأساسية، فإن النقد، عند التأمل، يبدو أكثر من ذلك. النـقــد الأدبـــي : لعل التعريف البديهي للنقد الأدبي هو الذي يجعله تمييز الجيد من الردئ في النصوص الأدبية، فهو إذن، إصدار حكم القيمة عليها، وفي أحيان أخرى يوسع النقد الأدبي موضوعه فيحكم على النص وعلى الأديب برمته من خلال النص قيد الدرس (ما أكثر من حكم على العصر العباسي بأنه عصر المجون بمجرد قراءة رائية بشار أو بعض قصائد أبي نواس والبة بن الحباب وحماد عجرد وينسى أو يتناسى حركة الزهد والحركة العقلية فيه بوجه عام). ذلك بأن النقد في الأساس وهو النقد الحكمي يصب فيه تياران نقديان : 1- النقد الانطباعي التأثري الذي ساد الآداب، عموماً، في المرحلتين : أ- مرحلة طفولة النقد : أي قبل النضج العقلي والاحتكام في النقد إلى مقاييس موضوعية، وقد عرفت أوروبا هذه المرحلة الناضجة باسم الكلاسية، وعرفها نقدنا العربي القديم بما سماه د. منذور النقد المنهجي. ب- مرحلــة الضيق : بهذه القواعد حين يشتد خطرها وتصبح من ثم وضعية بل ودوغمائية (يقينية)، وقد كان الإطار التاريخي والفني لها الرومانسية في غرب أوروبا في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر، وفي العالم العربي في الثلث الثاني من القرن العشرين. وقد أشار إلى المرحلة البدائية للنقد وشبهها بالحركة النقدية الرومانسية بعض نقادنا حين قال : «أن النقد العربي كان في أوله (يوم كان كلمات جامعة) خيرا من آخر وأنه كان موكلاً بالذوق حتى جاء المتأخرون بشرائعهم فصيروا الشاعر عبداً لا ينفع. وإن الكلمات التي قالها الرواة الأعراب أدمع وأنفع من كتب المتأخرين التي شدت الزنار على الشاعر واقتدادته بخناق» . 2- وأما التيار الثاني الذي يكون النقد الحكمي أي يستند إلى وظيفة الحكم، فهو النقد المعياري الذي يعتمد فيه أصحابه كما مر، على مقاييس موضوعية تخضع لها جماعة من النقاد ضمن المدرسة الأدبية الواحدة كمعايير المدرسة الكلاسية (كما في فن الشعر لأرسطو والفن الشعري (L’art poétique لبوالو Boileau)، وكالمعايير ذات الطابع الفني في النقد المنهجي العربي... إن العملية النقدية في هذا الاتجاه، ووفق التعريف السابق سكونية يهمها وصف الأعمال الأدبية، وقد ارتبط النقد بوظيفة الحكم في لنقد القديم، ولم يثر السؤال حول الغاية من النقد، بعد السؤال عن موضوعه، إلا في العصر الحديث. لقد ضاق النقد بمقاييس النقد التي لا تعبر اهتماماً لخصوصيات الأدباء، ولتغير العصور، وآمن النقد الحديث بعد ذلك بأن مهمة الناقد هي التفسير بموضوعية، ودون خضوع لأحكام القيمة المسبقة. يقول طين Taine في هذا: «يقتصر المنهج الحديث الذي أحرص على إتباعه على اعتبار الآثار الإنسانية بنوع خاص كوقائع ونتاجات يجب أن تحدد سماتها وتبحث أسبابها لا أكثر. إن العلم حسب هذا المفهوم لا يدين ولا يسامح، إنه يعاين ويشرح». إن الفصل بين النقد الحكمي والتفسيري هذا نجده واضحاً عند نقادنا، يقول مثلاً أحمد كمال زكي : «إن النقد في حقيقة الأمر نقدان، ولا تخرج أية محاولة أدبية يباشرها ناقد واحد من هذين النقدين. أنا النقد الأول فهو النقد التفسيري حيث يستغل فيه أسباب الثقافة بالقدر الذي يجلب العمل ويوضحه، أما النقد الثاني فهو النقد الحكمي» . هذا، ومع أن الصراع ظل بين الاتجاهين الكبيرين في النقد الأدبي دون أن يحسم لهذا الطرف أو ذاك، فإنه بإمعان النظر نجد أن العملية النقدية لا بد لإنجاحها من تضافر الجانب الذاتي والموضوعي فيها. وتعني الموضوعية ضمن ما تعنيه صدور الناقد عن معايير ومقاييس تعصم النقد من الانطباعات العفوية والنزاعات الشخصية، وتشمل الموضوعية كذلك الانطلاق من منهج سواء كان ذلك يربط النقد ومناهجه بمناهج العلوم الإنسانية علم النفس، علم الاجتماع... أو بإيجاد نقد علمي مستقل كما فعل الشكلانيون الروس حين نظروا إلى الدقة والصرامة في علوم اللغة فحاولوا الإفادة منها في النقد الأدبي، كما تتضمن الموضوعية من الناحية التطبيقية أن تحدد المراحل التي ينبغي أن يمر بها الناقد الأدبي في العمل الذي يقوم به فيوضح خطواته وطريقة العرض لديه. وطبعاً فإن كل تلك المظاهر الموضوعية لا تجدي نفعاً ما لم يطبعها الناقد بطابعه الخاص وبتجربته، وهنا يكون الرجوع إلى ذاتيته أمراً لا مفر منه. نخلص من هذا إلى أن النقد الأدبي دراسة موضوعية فنية تنصب على العلاقة بين النص الأدبي والأديب والمحيط الاجتماعي، وهو عملية، وإن كانت وظيفة الحكم غالبة فيها أو عليها في بعض مراحل النقد الأدبي كما سلف، فإن تعليل ذلك الحكم وتنوير القارئ بالأسس الفنية التي بني عليها الإنتاج الأدبي تلك التي تفصح عن ذوق المرحلة المؤطرة للنص أو التي لم تخطر للأديب ولا للعصر على بال، تتضافر مع الوظيفة النقدية الأولى. على أن استباق الأدب وقته في بعض النماذج المتفردة واضطلاع النقد بكشفها يضيف إلى العملية النقدية دوراً فاعلاً في الأدب ذاته، إنه يقوم بدور الموجه إلى تطور الأدب والدفع به إلى الأمام. وهكذا يصبح النقد أكثر وضوحاً بتوفره على ثلاثة شروط : (1)- الضبط المنهجي (مظاهر الموضوعية المشار إليها) إن ضبط المصطلح (بمعرفة حمولته الفلسفية ونقله بدقة إلى مجال استثماره الديدن ومحاولة جعله مساهماً في إضاءة النص كما تطمح إلى ذلك البنيوية مثلاً، لا مساهماً في تعميته فيصبح النقد ميتالغة وينتقل النقد من كونه لغة واصفة ووسيلة إلى الفهم إلى كونه هدفاً وغاية). (2)- الإبداع في النقد أو ضرورة توفر التجربة الفنية عند النقاد كما هي متوفرة عند الأدباء. ولعل النقد بهذه الشروط أي بابتعاده عن المزاجية الجامحة (في الانطباعية) والدوغمائية اليقينية (في النقد المعياري) والميتالغة المعمية (التي يضع معها النص بعد أن يعلن موت صاحبه في بعض اتجاهات الحداثة) يصبح عملاً جاداً وتجربة فنية لا غنى عنها لفهم الأدب من جهة، والإسهام في تطوره من جهة ثانية. وكما أن وظائف النقد الثلاث من حكم وتفسير وتوجيه تتشابك في العملية النقدية رغم الغلبة التي تكون لواحدة منها على الباقي، فإن أجناس الدرس الأدبي التي مررنا عليها تخضع هي أيضاً لنفس القانون، إن الصفاء بين الأجناس الإبداعية والدراسية التي راهنت عليها الشعرية الأرسطية لم يعد يقين المشتغلين بالأدب، إن الناقد مثلاً، إنما يسمى ناقداً لهيمنة النقد عليه، وإلا فإنه يفيد من الدارس المتخصص في الأدب كما ينصت إلى التاريخ الأدبي بالقدر الذي يستنير بقوانين نظرية الأدب.«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«» الإحـــالات : 1- ويليك ووارين، نظرية الأدب، ط3، ترجمة محيي الدين صبحي، ص : 47. 2- أنظر بهذه المسألة، فصل المقياس الفني في كتاب د. طه حسين في الأدب الجاهلي. 3- وهي مسألة شعرية بالمعنى العام، أنظر مثلاً : T. Todorov, poétique de la prosé seuil. 4- وهي مسألة تصنيفية "أجناسية". 5- أنظر : د. عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونه، ط7، 1978، ص : 14. 6- ويليك، ص : 24. 7- عز الدين إسماعيل، نفسه، ص : 23. 8- أنظر محمود الربيعي في نقذ الشعر، دار المعارف، مصر. 9- The pragmatique stylistique, rhetorique et poetique dans les langues romanes, actes du 17 congrés international de linguistique et philologie romanes air en provence, 1983, p : 464. بتصرف. 10- الضرورة والرجحان، محاكاة فعل جليل، التراوح بين المحاكاة والسرد، أنظر بهذا الخصوص، د. شكري محمد عياد، كتاب الشعر لأرسطو وأثره في البلاغة العربية، تقديم د. زكي نجيب محمود. 11- الوحدات الثلاث مثلاً، أنظر مثل هذه المبادئ في ف. تيغيم، المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، منشورات عويدات، ص : 49. 12- أنظر، ج جنيت، مدخل لجامع النص، ترجمة عبد الرحمان أيوب، ص : 43-44. 13- أنظر الربيعي، الفصل الرابع، ص : 87. 14- نفســه، ص : 46. 15- Essais de linguistique générale. Ed. minuit, 1963, p : 218 16- التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون 2/191. 17- أنظر حسين الواد، في تاريخ الأدب، مفاهيم ومناهج، 1980، ص : 36. 18- القرن 18، ر. اسكاربيت R. Escarpit، تاريخ الأدب، دائرة معارف لابليياد 3/1767. 19- أنظر ر. ويليك، مفاهيم نقدية، ترجمة د. محمد عصفور، عالم المعرفة، ص : 29. 20- نجد هذا أيضاً عند أبرز مؤرخيهم كرسالة د. طه حسين للدكتوراه عن أبي العلاء، سنة 1918. 21- نفســه، ص : 93. 22- ش. هايمن، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ترجمة عباس ونجم، ج1، ص : 313. 23- نفســـه، ص : 286. 24- مارون عبود، ص :ط 329، وأنظر كذلك د. هاشم ياغي، النقد الأدبي الحديث في لبنان، دار المعارف، 21968/142. 25- النقد الأدبي، أصوله واتجاهاته، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972، ص : 19، وأنظر كذلك، عز الدين إسماعيــل، الأدب وفنونــه، ط3، ص : 47. 1- المصــادر والمراجـــع : - -
|
|
خالدلطفى عضو شرف
البلد : ليبيا عدد المساهمات : 403 نقاط : 659 تاريخ التسجيل : 10/12/2012
| موضوع: رد: النقد بين أجناس الدرس الأدبـي 2014-02-05, 01:21 | |
| |
|