منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك اللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةاللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجراللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصوراللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةاللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةاللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلوداللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيراللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة اللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لنااللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة اللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجباللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديراللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حباللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصاراللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 اللغة العربية في لبنان

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نورة
.
.


القيمة الأصلية

عدد المساهمات :
85

نقاط :
109

تاريخ التسجيل :
23/01/2010


اللغة العربية في لبنان  Empty
مُساهمةموضوع: اللغة العربية في لبنان    اللغة العربية في لبنان  I_icon_minitime2010-11-05, 23:29

اللغة العربية في لبنان- واقع ومرتجى
الدكتورة مريم حمزة - الجامعة اللبنانية

تمهيد :
ليست اللغة مجرّد أحرف أو كلمات أو تراكيب، ولا مجرّد كلام نتلفّظ بهِ، أو أصوات نطلقها؛ إنما هي كيان وهويّة وانتماء، وثقافة وحضارة وتراث، وجذور ممتدّة في التاريخ. إنها كائن حيّ، ينمو وينشط إنْ تعهّدناهُ بالرعاية والإهتمام، ويتآكل وينقرض إنْ عاملناهُ بخفّة وإهمال.
واللغة مرآة عقول أصحابها، ومستودع آدابهم، تدلّ على سموّ مداركهم وسعة تصوّرهم، ودقة نظرهم؛ إنها أداة تعبير عن النفس ومكنوناتها، في سرّائها وضرّائها،وأسلوب تعايش بين بني البشر، ووسيلة تواصل وتفاعل بين الشعوب.
ولَكَمْ هو صائب وسديد، ذلك المصطلح الذي يُطلق على اللغة الأساسية لأي شعب، بأنها "اللغة الأم"، تعبيراً عن ذلك الرابط الحميم، والشعور الرؤوف الرؤوم، الذي بين الأم والأبناء، فهي التي تخرجهم إلى نور الحياة، وتهيّء لهم السبُل لصنع الكيان والعنفوان. أما الأبناء البررة، ذوو العرفان بالجميل، فإنهم يتعهدون صانعة الحياة بكل رعاية واهتمام، ويقدمون لها أسمى آيات التقدير والإجلال والإحترام. وإذا كانت هذه هي العلاقة التي يُفترض أن تسود بين الشعوب ولغاتها "الأم" ، فإننا نسأل عن طبيعة العلاقة التي سادت لغتنا العربية وأبنائها عبر العصور.
فلو عدنا إلى التاريخ، ورصدنا حركة تطوّر هذه اللغة، لوجدنا أنها تعرّضت لفترات مدّ وجزْر، ولموجات ازدهار وانحسار، على مرّ الزمن؛ فهي كانت لغة الشعر والشعراء في عهود العرب الأولى، بها وصلنا فكرهم وأدبهم؛ وحين ظهر الإسلام، كانت العربية الفصحى هي لغة القرآن، ولغة الوعظ والهدي والإعجاز؛ وهي التي اتّسعت، فيما بعد، فكانت قادرة على استيعاب فكر العرب والمستعربين، على تنوّع ثقافاتهم وغزارة علومهم وترجماتهم؛ حتى لنستطيع القول بأنها ملأت الأرض وجاوزت الآفاق؛ فلم يبقَ مفكّرٌ ولا عالم، ولا أديبٌ ولاشاعر، إلا وبها عبّر وكتب، أو دبّج ونظم.
بيدَ أنّ هذه النعمة لم تدُم، شأن جميع النّعم التي لا يُحافَظ عليها فتنحسر وتزول؛ وهذا ما كان يحصل بين حقبة وأخرى، للغتنا العربية التي لم يحرص عليها أبناؤها أحياناً، بفعل الظروف والمتغيرات، وتبدّل العهود والساسة والحكّام، ولم يجهدوا في المحافظة عليها دائماً سليمة ومُعافاة، مما كان يجعلها تمرّ في فترات، لا تُحسد عليها، من التقهقر والإنحسار، وعقوق الأبناء والإهمال، وشيوع اللهجات وهجمة اللغات.

وعلى الرغم من بروز رجالات كبار في ميادين الفكر والعلم والأدب، ممن لهم على اللغة العربية وآدابها، أيادٍ بيضاء، لما عملوه في سبيل نهضتها ورفعة شأنها، من خلال إبداعاتهم ودراساتهم وإرشاداتهم، محلّقين بها في الآفاق، حتى استحالت على أيديهم لغةً مشرقة، لا يُشق لها غبار.....على الرغم من وجود أعلام النهضة الأدبية واللغوية هؤلاء، فإن اللغة العربية اليوم، ليست في أحسن حال، بل نراها في عصرنا الحاضر تجرجر ذيول خيبتنا، وتعكس واقع أمتنا، وما تعانيه من تشرذم وانقسامات وتجاذبات، في ظل هيمنة القطب العالمي الواحد، وسياسة الترويج للغة الأقوياء.
واقع لغتنا " الأم " هذا، بسلبياته وتردّياته، عايشتُهُ منذ عقود، ولا أزال، في بلدي لبنان، وخبرتُ حال اللغة العربية فيه، من خلال تجربتي الشخصية معها : تلميذةً وأستاذة، متلقّيةً وناقدة، في خلايا المجتمع عموماً، وفي المؤسسة التربوية التعليمية، بكل مراحلها، على وجه الخصوص.

1- واقع العربية :
ولاستعراض واقع هذه اللغة بين أبنائها، يجدر بنا أن نتتبّع مفاصل الحياة التي تسري اللغة في عروقها، بدءاً بالشريان الرئيسي الذي هو المؤسسة التعليمية، فإذا أردتَ أن تتعلّم لغةً، يحسن بك أن تتعلّمها في موطنها، وأن تتكلّمها بين ناسها وأهلها. ولسوء حظنا في لبنان، كما في أقطار عربية أخرى، أن عاميتنا التي نتداولها، تبتعد كثيراً عن فصحانا؛ فلا يجد فيها طالب العربية ضالّتهُ المنشودة؛ وهذا ما يحصل لأبنائنا في صفوفهم المدرسية الأولى، إذ عليهم أن يتعلّموا اللغة العربية الفصحى وسط محيط تسودهُ عامية يكاد لا يربط بينها وبين الفصحى سوى مفردات لا تصنع بحدّ ذاتها لغة. وتضحي هذه الفصحى لدى التلميذ المبتدئ أشبه بلغة أجنبية لا يفقهُ عنها شيئاً، لا سيّما إذا عرفنا أن العامية تلاحقه في كل مكان : في البيت مع أفراد أسرته، وفي الزقاق مع أترابه، وفي الشارع مع المارّة، وفي ملعب المدرسة، بل وفي داخل الصف، أيضاً، فأين المفرّ ؟! ولعمري ! ان حالهُ معها، وهو الهارب منها إليها، يذكّرنا بحال نابغة بني ذبيان، هارباً من النعمان، متوجهاً إليه : " فإنك كالليل الذي هو مُدركي ".

ولتتعلّم لغةً، عليك أن تمارسها، وأن تحاور بها، وتناقش بها، وتعبّر عن فرحك بها، وعن حزنك أو غضبك بها، وعمّا يجول في صدرك وفي خاطرك بها؛ ولكن شيئاً من هذا، وللأسف، لا يحصل لتلامذتنا ، لا خارج إطار الدرس، ولا داخله، حيث العامية هي، في أغلب الأحيان، لغة الحوارات والمحادثات في المواد التي تدرّس بالعربية؛ أمّا نصيب العربية الفصحى، فيقتصر على شرح المعلم لدرس من دروس اللغة العربية، هذا إذا تمّ الشرح بأكمله بلغة فصحى.

أجل ! لتتعلّم لغة وترسّخها في عقلك ووجدانك، ينبغي أن يتمّ التركيز في المراحل التعليمية الأولى عليها، دون سواها، لتكون منطلقاً وهدفاً في آن، وأن تُكثّف من أجلها حصص التدريس، ويدرَّب لها المعلمون، وتستحضَر من أجلها الوسائل؛ وهذا، للأسف، ما لا يحصل في مدارسنا التي تخصّص للعربية في المرحلة الإبتدائية، ساعات معدودات، أسوةً بأيّة مادة من مواد التعليم الأخرى، وهذا يبعثر الجهود ويصعّب المهمة، ويعقّد الأمور ولا يؤدي إلى النتيجة المتوخاة.
وهكذا، يشعر التلميذ بغربة وجفاء إزاء لغة لم يعتدْ على التعامل معها، وها هو يعاني من مصاعبها، ومن تعقّد أساليبها، ولا يمكنه التكلّم بها بيسرٍ وسهولة، ولا التعبير من خلالها عمّا يجول في نفسه وفي خاطره، وقد يبلغ هذا الجفاء حدّ الكره والنفور، حين يشعر أنها صارت عبئاً مفروضاً عليه، لا سيّما حين يُطلَب إليه، على سبيل المثال، أن ينشئ موضوعاً لا قدرة له على إنشائه بلغةٍ لم تكن في وقت من الأوقات، سبيلاً لترجمة أفكاره ووجدانه وأحاسيسه.

ولن يكون الطالب في حالٍ أفضل، مع دروس القواعد العربية، لا في شقّهِ النظري ولا في شقّهِ التطبيقي الذي لا يسري على حياته اليومية، إذ المعروف أن أهداف التطبيق في أيّ مجال من المجالات، تكون لترسيخ مفهوم أو معلومة أو نظرية، عن طريق تطبيقها على أشياء نستعملها في حياتنا المعيشة، أمّا طالب العربية، فعليه أن يتعلّم النظرية من لغة يؤتى بها من خارج إطاره الحياتي، وأن يأتي التطبيق من خارج هذا الإطار أيضاً، فيضحي معها كمن يفسِّر الماء، بعد الجهد، بالماء، فتتعقّد الأمور في ذهنه، وينفر من هذه اللغة، ويكره القواعد وأصحابها ومعلميها، ويُنحي باللائمة على سيبويه وابن جنّي والزجّاجي والبصريين والكوفيين وكل مَنْ وضع قاعدة صرفية أو نحوية.

وما يزيد في الطين بلّة، أن هذا التلميذ الذي ينؤ بلغة الآباء والأجداد، يأتيه ما يزيد أعباءه عبئاً آخر، حين تُفرض عليه لغات أخرى، وكأن العربية لا يكفيها ما تعانيه من ظلم ذوي القربى، حتى تأتيها لغات أخرى منافسات، فرنسية تارة، و إنكليزية تارة أخرى، أو كلتاهما في آن، لتنصبّ جميعها فوق رأس ذلك التلميذ الذي كان ينؤ بواحدة، فكيف ستكون حاله مع اثنتين أو ثلاث!!؟ ناهيك عن المواد العلمية والإجتماعية والإنسانية التي تُدرَّس أحياناً بلغات أجنبية، بحجة تسهيل الأمر على الطالب فيما بعد، إنْ أراد التخصّص في بلاد الخارج، فإذا التسهيل يستحيل تصعيباً، وإذا بهامش العربية يضيق أمام هذا الغزو المتدفّق من المواد واللغات.

وعليه، فالنتيجة حتمية ومعلومة، فهذا الكعك من ذاك العجين! أساسٌ غير سليم، وبنيان غير متين، وحالٌ هشّة تزداد هشاشةً كلما تدرّجتَ في المراحل صعوداً، وصولاً إلى مرحلة التعليم الجامعي، حيث يحق للطالب الدخول إلى الجامعة، بكل كلياتها وأقسامها، دون الخضوع لامتحانٍ يثبت أهليته في اللغة العربية، باستثناء بعض الإختبارات الشكلية التي أصبحت تُجرى، منذ عهد قريب، في بعض أقسام كليات الآداب، والتي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. علماً أن اختبارات مشدّدة في اللغات الأجنبية، تُفرَض على طلابنا الذين يودّون التخصّص الجامعات الأجنبية الموجودة على أرضنا، والتي تحترم لغة بلادها، سواء كان هذا الإختصاص علمياً أو أدبياً أو إنسانياً، أو غير ذلك.

وإذا كان هناك مَن يبرّر عدم إجراء هذه الإختبارات لطلاب الإختصاصات العلمية التي تُدرَّس باللغات الأجنبية، فما هو المبرّر، يا تُرى، لعدم إجرائها لاختصاصات العلوم الإنسانية التي تُدرَّس بالعربية!؟ بل كيف يمكن أن يكون هناك مبرّر لعدم إجرائها لمرشحي الدخول إلى اختصاصات اللغة العربية وآدابها، حيث أن جامعاتنا، وللأسف، تستقبل الكثيرين من الطلاب الذين يجهلون أبسط قواعد العربية ومبادئها، والذين أقبلوا على التخصّص في هذا المجال، لا لأنهم يودّون امتلاك ناصية العربية وتذوّق آدابها، إنما لأنهم فاشلون في المجالات الأخرى، ولم يبقَ أمامهم سواه، فهم يُقبلون للدخول إليه، دون الخضوع لأيّ امتحان أو اختبار جدّي في لغة اختصاصهم المستقبلي المزعوم. فماذا يمكن للعربية أن تترجّى من هؤلاء !؟
وعلى هذا المقياس، يدخل الطالب إلى الجامعة غير مزوّد بذخيرة لغوية ، كان يُفترض اكتسابها من المراحل السابقة، تمكّنه من الوقوف على أرض صلبة ثابتة؛ فإذا كان ميدان اختصاصه علمياً، سارت الأمور بلا كثير صعاب؛ ذلك أن جميع المقرّرات العلمية تُدرّس بلغة أجنبية. وإذا كان الإختصاص يدور في فلك العلوم الإنسانية، كالفلسفة أو علم النفس أوالآثار أو التاريخ أو سواها من العلوم، فإنها تُدرّس بالأجنبية في بعض فروع الجامعة، وبالعربية في بعضها الآخر، والطالب لا يلاقي مصاعب في كلا الحالين؛ إذ لا مشكلة لديه حيث التدريس يتمّ بلغة أجنبية، لأنه سبق واجتاز اختباراً يُثبت أهليته فيها؛ كما لا مشكلة لديه حيث التدريس يتمّ بالعربية، لا لأنه اجتاز اختباراً يُثبت كفاءته هذه المرة، إنما لأن هذا الأمر غير معوَّل عليه؛ فالمهم أن يفهم المعلومات والأفكار،وليكن التعبير عنها كيفما تيسّر. وهنا أجدني مسوقة للتعبير عن أسفي واستنكاري لأنْ تسود العامية، داخل قاعات التدريس في تلك الأقسام، بحجة أن هذه الإختصاصات لا تدخل فعلياً في حقل اللغة العربية وآدابها؛ وهو عذر أقبح من ذنب، وإنه لمن المعيب حقاً أن تجد بعض الأساتذة في هذه الأقسام، وللأسف الشديد، لا يُحسنون العربية، وقد وضعوا أنفسهم خارج إطار هذه اللغة، وأخرجوها من دائرة اهتماماتهم؛ فكأن ابن الأثير والطبري وابن خلدون، لم يكتبوا تاريخهم بعربية فصحى، أو كأن ابن سينا وأقرانهُ لم يقدّموا إلينا رسائلهم في النفس وشؤونها وشجونها بلغة الضاد، أو كأن الفارابي والغزالي وابن رشد لم ينحتوا لنا فلسفتهم بلغة العرب الأقحاح !!!

وتهون مصيبة اللغة العربية مع هؤلاء، وهم الأقارب والجيران في العلوم الإنسانية أو الإجتماعية أو السياسية أو الحقوقية، أمام طامّتها الكبرى مع أبنائها الذين هم من لحمها ودمها، والذين يُفترض بهم أن يكونوا حُماتها، فإذا هم في حقيقة أمرهم يدّعون هذه البنوّة ادّعاءً ، إذْ يسوّغون لأنفسهم الإستهانة بها وطعنها في عقر دارها، حين يتهاونون في قبول طلاب لقسم اللغة العربية ليسوا أهلاً لها، وحين يُتيحون المجال للعامية أن تشق طريقها بين الطلاب وأساتذتهم، داخل قاعات التدريس في قسم اللغة العربية وآدابها، حيث تختلط العامية بالفصحى، بل حين تضحي العامية أمراً بديهياً وحقاً من حقوق الطالب داخل القاعة، في كل أمر يريد مناقشته أو التحدّث فيه، ولِمَ لا ؟ وهو لا يُجيد العربية ولا يُحسن التكلم بها، بل هو لا يجرؤ على استيضاح أو استفسار في أي شأن لغوي أو أدبي، إذا طُلِب إليه أن يقدّمه بالفصحى؛ وغالباً ما يكتم الطلاب أسئلتهم وتعليقاتهم وملاحظاتهم داخل صدورهم، لأنهم يخشون طرحها بلغة فصيحة، بل انهم، غالباً ما يرجئونها إلى ما بعد الإنصراف من قاعة التدريس، ليكون بمقدورهم طرحها بالعامية دون أيّ حرج، وهم الذين سيصبحون عما قريب أساتذة لهذه اللغة في مختلف المراحل المدرسية؛ فأيّ مصير ينتظر تلك اللغة على يد هؤلاء الأبناء من الأجيال القادمة إذا كان المعلمون جهلة ! وهل فاقد الشيء يعطيه!!؟

هذه العيّنات هي نماذج للطلاب الذين يتهافتون على هذا الإختصاص بأعداد وفيرة، لا حبّاً بلغتهم الأم ، ولا برّاً بها، إنما ظنّاً منهم، إنْ لم نقلْ، يقيناً منهم، أنه المكان السهل الذي يجتازونه دون عقبات، و" المورد العذب كثير الزحام"، كما يقول أديبنا مارون عبّود، عذوبةٌ ، أو قلْ سهولةٌ ، رسّختها في أذهانهم مسيرة طويلة، تعادلَ فيها، وللأسف، الغثّ والسمين، وتساوى فيها بالنجاح، القلّةُ من الطلاب النخبة، أولئك الذين عشقوا العربية حقاً وشُغفوا بالتطلّع إلى أسرارها، والنهل من معينها،والتمتّع بآدابها، مع الكثرة من المتسلّقين على هذه اللغة، الذين يحصلون على شهادات فيها، وهي شهادات لا تعكس علماً ومعرفةً وتضلّعاً بشؤون اللغة، إنما تشهد على جهلهم بها، وعقوقهم لها، وعلى تكريس مفهوم، كان ولا يزال سائداً في مجتمعنا، يهوّن من شأن تلك اللغة ومن شأن آدابها، حتى إن الواحد من أبنائها يقلب شفتيه مُتبرّماً إذا سألك عن اختصاصك فأجبتهُ : " أدب عربي " ، والويل لطالب العربية من سخرية أترابه ومعارفه، إذا رسب أو قصّر في أحد المقرّرات، لأن الإختصاص " عربي " ولا يستحقّ كبير عناء ! وقد لا تصدّق أحياناً أن يصبح الإستخفاف بالعربية عدوى، تصيب مَنْ يجب عليه أن يُجلّها ويكون حامياً لها وحريصاً على سلامتها وعافيتها، عنيتُ بهم، أساتذة العربية أنفسهم، الذين يجهرون، عن قصد أو عن غير قصد، أو عن عدم قدرة على مواجهة التيّار، يجهرون، بشكل أو بآخر، بانحطاط مكانتها وبعدم قدرتها على مجاراة اللغات الأخرى، فيستهينون بها، ويكيلون العلامات لطلابها، مُفيضين فيها بغير حساب؛ كيف لا ! والمادة "عربي"، فينجح مَنْ ليس أهلاً للنجاح ويترفّع من سنة جامعية إلى أخرى وهو لا يكاد يعرف شيئاً من العربية وآدابها، ولا من بلاغتها وقواعدها وإنشائها؛ وتبقى الحال على هذا المنوال إلى أن يتخرّج بإجازة تخوّلهُ الدخول إلى قطاع التعليم، أستاذاً هذه المرة، يعلّم النشء قواعد العربية ومبادئها وأساليبها؛ فأيّ مصيرٍ ينتظر العربية وطلابها يا تُرى؟ ضعُفَ الطالب والمطلوب!!

وإذا كانت هذه هي حال المؤسسة التربوية التعليمية التي يُفترض أن تكون إبنة بارّة بأمها، وحامية لها، وذائدة عن كيانها ومنعتها، وعاملةً على إعلاء شأنها ورفعتها، فليس عجباً أن نرى مؤسسات المجتمع الأخرى بأهلها وناسها، تحذو حذوها، استخفافاً باللغة الأم، واستهانةً بأشكال التعامل معها؛ ويزداد هذا الإستخفاف وضوحاً كلما اتسع البون بين فصحى اللغة وعاميتها، في بلدٍ كلبنان، كما في أقطار عربية أخرى، تتنوّع فيه اللغات، فتنحسر العربية وتنهزم على ألسنة أبنائها، حين يرطنون بلغات أجنبية متعددة؛ فتارة بالفرنسية يلثغون، وتارة بالإنكليزية يتشدّقون، محاولين الإعتذار إليك، لاستثقالهم العربية التي لا يُحسنونها، ولاستسهالهم التعبير عن شؤونهم بلغة أجنبية، تنساب إلى ألسنتهم عفو الخاطر، وهو اعتذار يحمل في طيّاته الكثير من الغرور والمباهاة، والتعالي على لغةٍ عربية " بائدة " لا تُداني، حسب زعمهم، اللغات الغربية، مكانةً ورفعة. ولعلّ أكثر ما يُثير السخرية حقاً، هو أولئك الذين لا يعرفون من الأجنبية سوى كلمات معدودات، يردّدونها في كل حين، ممزوجةً بعربية عامية، فيتساقط على سمعك كلام فسيفسائي ممجوج، مُشوّهٌ، لقيط ، لا أصلَ له ولا هوية، إنما هو كلام هجين، تسرّب إلى تعابيرنا ومصطلحاتنا، حتى أضحى، بسبب دوام استعماله، جزءاً من لغتنا، بحيث أنه لو قصدنا التعرّف إلى مردفات عربية لبعض مفرداته، استحال علينا الأمر في كثير من الأحيان.

وينسحب هذا الواقع الأليم على كل المجالات، حتى لنستطيع القول بأن حياتنا أصبحت مستوردة من الخارج، بدءاً بأسماء أبنائنا وبناتنا التي بتنا نأنف أن نختارها من قائمة الأسماء العربية؛ لذا ترانا نتنافس على استيرادها من مجتمعات، لا هوية تجمعنا بهم، ولا مفاهيم، ولا رموز، فتارةً إليزابيت....وبرناديت....وتارةً كلودين....وكريستين....وكأن أسماءنا العربية قد نفدت، وكأن شعراءنا لم يتغنّوا، يوماً، بليلى وسعاد، ولا بهندٍ ولا وداد ! وقل الشيء نفسه عن مُجاملاتنا وتحياتنا التي تغرّبت، حتى بات التغريب في صلب ثقافتنا؛ فها نحن نردّد بشكل عادي وتلقائي، كلماتٍ أجنبية، بتنا ، لتكرارها، نحسبها عربية؛ فكيفما جلستَ أو مشيتَ أو تلفتَّ يُمنة ويُسرة، سمعتَ :bonjour وbonsoir وhi وmerci وsory وthank you ......وسواها من عبارات الشكر والترحيب؛ وكأن العرب لم يعرفوا آداب التحية والسلام، ولم يتفوّهوا، يوماً، ب "عمْ صباحاً أو عمْ مساءً أو ب "السلام عليكم" ، وأكرمْ بها تحيةً، تدعو لك بالأمن والطمأنينة والسلام ! بل إن الأمر لا يتوقّف عند عبارات المجاملة والترحيب، فالأفعال، هي الأخرى، بتنا ننحتها من كلماتٍ أجنبية، مُسوّغين لأنفسنا وضْعَ قواعد في الصرف والإشتقاق، حتى صار الكبير منّا والصغيريستعمل " قَنْصَلَ " بدلاً من " ألغى " و"شَرّجَ " بدلاً من " شَحَنَ " ، و"دَوْكَرَ "، بدلاً من " زخرف "......إلى ما هنالك من كلماتٍ واشتقاقات، تنمّ عن سهولة اختراقنا الثقافي واللغوي، وهذا ليس دليل عافية لنا وللغتنا في كل حال.

وبعد، فماذا عسانا نعدّد، واللائحة تطول بأسماء أجنبية للسلع والمنتجات في أسواقنا، فإنْ تعمّدتَ أن تطلب واحدة منها باسمها العربي، نظرإليك البائع مستغرباً، وكأنه لا يفقهُ ما تقول، وكذلك هي الحال لدى " ميكانيكي " السيارة، وعامل المقهى والمتجر وسواهم؛ أمْ تُرانا نكحّل العين برؤية لافتات المحالّ التجارية " المرموقة "، بل والشعبية أيضاً، وقد كُتبَ عليها بالحرف العريض القاني، أسماء أجنبية استوردها أصحابها من أوروبا وأمريكا، حتى لكأن العربية جفّتْ بكلماتها وأسمائها، فلم تعد تقوى على مجاراة العصر ومواكبة التطوّر وتلبية الحاجة.
ولعله لم يعد غريباً، والحال هي هذه، أن لا تكون اللغة العربية أحسن حالاً في أماكن أخرى، كالمؤسسة المصرفية مثلاً، حيث اللغة هناك " غريبة الوجه واليد واللسان "، كما يقول شاعرنا المتنبي؛ لغةٌ أجنبية تتجلى في دفاتر الزبائن وسحوباتهم، وفي لغة الحاسوب، وفي الإعلانات المبثوثة في كل ناحية من نواحي المصرف، بإغراءاتها المتنوّعة التي تدعوك للإفادة من أموال المصرف في شؤونك وشجونك؛ وإنْ حظيتْ العربية ببعض فُتات تلك الإعلانات، فبلهجةٍ عاميةٍ، يزيد في مساوئها أنها لغة مكتوبة مقروءة، ككل الإعلانات الملصوقة على الجدران، والمزروعة في شوارع لبنان وساحاته، مما يجعلها، بسبب تكرارها،رؤيةً وقراءةً، أمراً مألوفاً لدى الناشئة والأشخاص العاديين، بل ربما حسبوها لغة عربية فصيحة،فيما لا يشمئزّ منها، ويدرك مخاطرها، سوى الأصيل المثقف العارف.
وإذا كانت هذه هي حال العربية مع أصحّائنا، فكيف تكون مع مرضانا في مشافيهم، حيث كل شيء هناك لا يوحي إليك بأنك في بلد عربي، بدءاً بتصنيف الأقسام الإستشفائية، مروراً بأسماء المعدّات ....إلى لغة الأطبّاء....إلى كتابة الإيصالات....وصولاً إلى نتائج الفحوص والتقارير التي تأبى أن تُفصح عن نفسها إلا لمن منّ الله عليه بإتقان لغة أجنبية أو أكثر.

وهنا، لا ننسى سياسيي بلدنا ومسؤوليه الذين يُفترض أن يكونوا قدوة للناس، لأنهم ربّ البيت، و" الناس على دين ملوكهم "، كما يُقال، فإنهم يتعاملون مع لغة بلدهم الذي هم على رأسه، تعامُلَ استهانةٍ واستخفاف؛ ولستُ بحاجة إلى دليل على ذلك، فتصريحاتهم الرسمية التي يُدلون بها، بلسانٍ أعجمي، فرنسي تارة،وإنكليزي تارة، ينضح دليلاً ناصعاً على استهانتهم بلغتهم " الأم "، سواء كانوا ضيوفاً في بلدٍ أجنبي، أومُضيفين لأجنبي على أرض الوطن.

ولعلّ الأهم من كل ما ذكرناه، في هذا المجال، المؤسسة الإعلامية، بوسائلها المتعددة، وخصوصاً، المرئية والمسموعة؛ فتأثيرها أشدّ خطراّ على اللغة من سائر المؤسسات، باستثناء مؤسسة التعليم؛ ذلك أنها تتوجّه إلينا جميعاً دون استثناء وتدخل بيوتنا في كل وقت، وربما من غير استئذان؛ وأجدُني لا أذكر أن أبصارنا وأسماعنا قد تفتحت عبْرها، إلاّ على لغة عامية، كانت سيدة الموقف في كل شيء : بها تدور الأحاديث....وتُجرى المقابلات....وتُدار الحوارات....والمناظرات....وتُقرأ النصوص والتعليقات.....حتى لا يسلم منها برنامج أو لقاء، سوى نشرات الأخبار التي حاولت أن تحافظ على الفصحى، لكنها فصحى مشوّهة، ملحونة، يجهل مقدّموها مبادئ العربية ونحوها وصرفها، بحيث لا يبقى أمام المتلقّي الذي أنعمَ الله عليه بمعرفة أصول لغته، سوى أن يُعدّد الأخطاء، ويصنّف أنواعها.

بيدَ أننا، في هذا المجال، لا يسعُنا إلاّ أن نسجّل نقطة مضيئة لإعلامنا المعاصر، وخصوصاً، القنوات الفضائية التي ترافقت مع شيوع الفضائيات العربية؛ إذْ وجدتْ نفسها مُلزمة باعتماد العربية الفصحى، في الكثير من برامجها، كالمقابلات والحوارات،والمناظرات، والتحقيقات، والرسوم المتحركة، والمسلسلات الأجنبية الناطقة بالعربية، وسواها. كما وجدت أنها مضطرّة لإختيار مَنْ يُحسن تقديم النشرات الإخبارية بلغةٍ عربية فصيحة، لأنها لم تعُد تتوجّه إلى اللبنانيين وحدهم، إنما إلى جميع الأقطار العربية، بلهجاتها المختلفة، حيث لا جامعَ بينها سوى العربية الفصحى؛ كما باتت تعتمد، للسبب نفسه، وأسوةً بالقنوات العربية الأخرى، مراسلين لها في أنحاء العالم العربي، يغطّون الأحداث والقضايا الساخنة، بلغةٍ فصحى، وتستضيف شخصياتٍ لبنانية وعربية، يمكنهم أن يتحاوروا بلغة عربية فصيحة،لئلا يستعصي عليهم التفاهم، ويصحّ فيهم قولُ أبي الطيّب : " فما يُفهِمُ الحُدّاثَ إلا التراجمُ " !

كل ما ذكرناهُ حتى الآن، هو غيضٌ من فيض مأساة اللغة العربية في لبنان، لذا، أجدُني، بعد هذا العرض المؤسف لحال هذه اللغة بين أهلها، معنيّةً بتلمّس العوامل والأسباب !!!

2- العوامل والأسباب :
لعلّ أولى هذه العوامل والأسباب التي أدّت بالعربية إلى ما آلت إليه، تعود تاريخياً، إلى الإحتلالات التي تعاقبت على لبنان، والتي إنْ لم تُفلح في فرض لغتها، كما حصل في بلدان عربية أخرى، فإنها، بالطبع، لم ترعَ اللغة العربية، ولم تعمل على حمايتها أو تعزيزها. ومن آخر الغازين، كانت الإرساليات الأجنبية التي حطّت رحالها في لبنان منذ ما يزيد على قرنين من الزمان، محاولةً ترسيخ أقدامها فيه، عبْر طرق وأساليب متعددة، لا مجال لذكرها جميعاً الآن، باستثناء واحد منها، يأتي في مقدمتها، عنيتُ به الثقافة التي يستحيل انتشارها بدون اللغة، بل إن اللغة تُعدّ أهمّ ركيزة من ركائزها؛ وهذا ما حصل لبعض البلدان العربية، ومنها لبنان حيث كان التنافس على أشدّه بين الإرساليات اليسوعية والإرساليات البروتستانتية، إذ راحت كل منها تعمل، في سبيل تحقيق أهدافها، على نشر لغتها بين الناس، فتقيم، من أجل ذلك، المراكز، وتبني المدارس والجامعات، وترسل البعثات. وكان طبيعياً أن ينبهر اللبنانيون بهذه الإنجازات، انبهار الضعيف بالقوي الذي كان مستعدّاً لتأمين جميع مستلزمات الثقافة والتعليم وسبل الإنفتاح على الغرب، في غياب المؤسسة اللبنانية " الأم " التي كانت شبه معطّلة، بفعل الحروب والإحتلالات التي تتالت على هذا البلد الصغير.
نضيف إلى هذا، عاملاً آخر، قد لا يقلّ أهمية عن الأول، يرتبط بموقع لبنان الجغرافي الذي كان عامل استقطاب لدول الغرب التي استغلّت تميّزه عن سائر الأقطار العربية، بتنوّع تركيبته السكانية، مُحاولةً، من هذا الباب، فصلَهُ عن محيطه العربي، بتشريع أبوابها له، وفتح آفاق الثقافة أمام بنيه؛ ومخطّط كهذا، لا يمكن أن يتحقّق بدون لغة.
ولعلّنا نستطيع القول أن هذه التركيبة الطائفية المتنوعة، وذلك التجاذب الغربي الذي كان يتعرّض له لبنان، والذي كان يمزّق بلدنا، ولا يزال، إلى اتجاهات مشدودة إلى هذا تارة، وإلى ذاك تارة أخرى، أفقدت اللبنانيين كل شعورٍ بالهوية الوطنية، وأفقدتهم، بالتالي، سلامة الإنتماء إلى وطن ذي جذور وأصول عربية، مما ترك أثراً سلبياً على شيء، بما في ذلك اللغة العربية التي راحت تتضاءل شأناً ومكانة، فيما تنمو على حسابها لغات أجنبية غربية، بحيث أصبح الضليع الذي يُحسب له حساب في دنيا الفكر والأدب واللغة، هو ذلك الذي يمتلك ناصية اللغة الأجنبية، فرنسيةً، كانت، أم إنكليزية، وبحيث لم يعُدْ من دواعي الفخر أن يجهر المرء بتضلّعه في اللغة العربية، أو بحملهِ شهادة في تلك اللغة وفي آدابها، حتى ولو كانت من أعلى الشهادات، إنما انقلبت الأمور إلى أضدادها؛ فبدل أن يكون جهلنا للغتنا " الأم " مدعاة للخجل وللشعور بالتقصير، بتنا نرى الكثيرين في مجتمعنا، يتباهون بأنهم لا يلمّون بالعربية، ولا يحسنون الكتابة بها؛ وما الضير في هذا، طالما أنهم في اللغات الأجنبية لا يُشقّ لهم غبار!! بل وما الحرج في هذا، عند من لم تعُد عنده غيرة على لغته، وعند من أصبح لديه جهل اللغة " الأم " أمراً عاديّاً، حيث استحالت الغيرة على العربية لوناً من ألوان التعصّب الذي لا يعكس إلا تكلّفاً أو تأخّراً أو تخلّفاً، مما جعلنا نهمل لغتنا دون شعور بأي ذنب أو أي تقصير، لا، بل إننا نتركها لنلجأ إلى سواها من اللغات. ومن أدهى الأمور أمرّها، أن يشعر اللبناني أنه بقدر ما يقترب من اللغات الغربية ينفتح له طريق النجاح في الحياة، وبقدر ما يقترب من لغته " الأم " يزداد ابتعاداً عن ركب الحضارة ومواكبة العصر.
ولهذا السبب الذي هو سبب ونتيجة في آن، أعني عدم الإنتماء والولاء اللغوي والقومي، نرى المدارس اللبنانية، وعلى خلاف ما تقوم به المدارس في بلاد الغرب من تركيز على اللغة "الأم"، دون غيرها، في المراحل التعليمية التأسيسية، نرى مدارسنا لا تقصر تعليم اللغات، في المرحلة الإبتدائية، على العربية؛ ناهيك عن أنها تفرض، إلى جانبها، لغة أو لغتين أجنبيتين، تُثقل بهما كاهل التلميذ، عدا عن كونها تولي اهتماماً مُضاعفاً لتعليم اللغات الأجنبية، بحيث توفّر لها الحصص اللازمة، وتختار لها المعلمين من ذوي الكفاءة العالية، عاملةً، بشكل مستمر، على تدريبهم وإطلاعهم على كل مُستجدّ وعصريّ، فيما يبقى في آخر سُلّم اهتماماتها،اختيار معلمي العربية من ذوي الكفاءة والخبرة، أو مجرّد التفكير بتدريبهم وتحسين مستوياتهم.

هذه العوامل، باختصار، تؤدّي إلى تهميش اللغة، وفقدان الحوافز لدى الطلاب، والإستهانة بكل ما يمتّ إلى العربية بصلة؛ إذ كيف يمكننا أن ننمّي في نفس الطالب احترام لغته "الأم"، إذا كانت مدرسته التي تربّيه وتعلّمه لا تعير اهتماماً للغة الوطن الذي ينتمي إليه، ولا للشهادات الصادرة عنه، حتى إن بعض المدارس لا ترشّح طلابها لامتحانات الشهادة الثانوية اللبنانية، إنما تقوم بإعدادهم للشهادة الثانوية الأجنبية، التي تتمّ معادلتها، إذا لزمَ الأمر، بالشهادة اللبنانية.

وإذا كان هذا يعني أنّ تهميش اللغة العربية وتراجعها وانحسارها، إنما يعود فقط ، إلى الخلل في طرائق تعليمها، وإلى النقص في استخدام التقنيات التربوية الحديثة، أو يعود إلى الضغوط والتحدّيات الوافدة من الخارج، أو إلى التأثير الإعلامي والترويج للإنكليزية على أنها لغة العولمة والتكنولوجيا، فإننا نرى ما هو أبعد من ذلك وأعمق، وهو نابع من تربيتنا التى لم ترتكز إلى ثقافة وطنية، قومية، حقّة؛ إنها النظرة الدونية تجاه لغتنا وثقافتنا وقدراتنا المعرفية، في مقابل نظرة الإعجاب والإنبهار بكل ما يأتينا من الغرب، حتى فقدنا الثقة بما نملك، ورحنا نعمّم هذه الثقافة المستلبة من كل أصالة وانتماء، على كل مرفق من مرافق حياتنا، بل وعلى مراكزنا الثقافية ومدارسنا وجامعاتنا؛ ولهذا، يتمّ، على سبيل المثال، تدريسُ معظم المقررات في الجامعة اللبنانية، باللغة الأجنبية؛ وهو، باعتقادي، ما سبّبَ قيام فرعين لكل كلية من كليّات الجامعة في بيروت التي لا تقتضي مساحتها الجغرافية الصغيرة مثل هذا؛ الأمرالذي يشكّل صراعاً بين نهجين :
1- أحدهما يعمل على تعميم اللغات الأجنبية للتدريس في الكليّات، وعلى إحلالها محلّ اللغة العربية، باستثناء أقسام اللغة العربية وآدابها؛ ولعلّ هذا امتداد لتلك الأصوات والدعوات التي قامت بُعيدَ منتصف القرن الماضي، مُطالبةً باعتماد العامية أو ما سُمّيَ باللهجة اللبنانية، لغةً بديلة عن الفصحى، بحجّة أن هذه الفصحى هي لغة القواميس البائدة التي لم تعُد تقوى على مواكبة العصر، وأنّ العامية هي اللغة المتداولة بين الناس، وهي الوسيلة الأقرب للتواصل فيما بينهم. والمؤسف أنّ ممّن روّجوا لهذا الأمر، أدباء بارزون، مدّعين أن جمود بعض الفنون الأدبية ، مثلاً، إنما مردّهُ إلى استعمال اللغة الفصحى التي هي بمثابة " جرس "، يقرع آذان السامعين، مُنبّهاً إيّاهم إلى أن ما يسمعونه ليس من واقع الحياة.

2- أمّا ثانيهما، فإنه يعمل على إعادة الإعتبار لهذه اللغة، داعياً إلى تطويرها وتعزيزها، مُطالباً بضرورة اعتمادها، بل بإلزاميّتها لغةً للتدريس في جميع الأقسام والكليّات.

كل هذا، والقيّمون على شؤون البلد بمؤسساته ومرافقه، والمشرفون على شؤون التربية والتعليم فيه،غائبون عن ذلك، متهاونون فيه، أو متواطئون عليه؛ لأنهم المشرفون الفعليّون على إعداد المناهج، المستقاة في غالبيّتها من مصادر أجنبية، إذا لم نقلْ انها ترجمة حرفية للمناهج الغربية التي كثيراً ما تتغيّر أو تتعدّل عند أصحابها، فيما تبقى عندنا على حالها، لعقود من الزمن، وهم الذين يضعون البرامج ويحدّدون معدّلات النجاح، بحيث تأتي دائماً في مصلحة الطلاب ذوي الثقافات الأجنبية الذين يتقلّدون، بفضل ذلك، الوظائف الهامّة، ويتسنّمون المناصب العليا؛ أما الطلآب الذين برعوا في العربية: لغةً، وأدباً، وثقافة، فنصيبهم المزيد من الإحساس بالغبن والإحباط، ومن فقدان الدوافع والحوافز.

والآن، وبعد استعراض العوامل والأسباب التي أوصلت اللغة العربية إلى هذه الحال من التراجع والضمور، كيف نرجو لها أن تكون؟ وماذا علينا أن نفعل من أجل إحيائها وتطويرها ؟

3- تمنّيات واقتراحات :
لقد بات واضحاً إذاً، أن اللغة العربية في لبنان، تعاني في الداخل جحود الأبناء، وتتعرّض من الخارج لضغوط الغرباء، في عصر بات يُعرف بعصر العولمة. وإذا كانت العولمة هذه، تعني،فيما يُفترض أن تعني، انفتاح العوالم والشعوب، الواحد منها على الآخر، وتعني تيسير الإتصالات، وتسهيل العلاقات، وتفاعُلَ الثقافات، وتبادُلَ الخبرات، فإنها واقعاً، كما نرى، تيّار جارف يعني هيمنة القطب الواحد، وفرض ثقافة الأقوياء على الضعفاء، وابتلاع الحضارات، بحيث لا تسلم منه الثقافات العريقة واللغات الحيّة في العالم الغربي نفسه. تحدّيات كبرى تواجه ثقافتنا وتواجه لغتنا بشكل متزايد، يعدُنا، ربما، بما ليس في حسباننا ولم يخطر لنا في بال.
والعولمة هذه، ظاهرة ضاغطة تفرض نفسها علينا بفعل قوّة الأشياء، متسلّلة عبْر الكلمات والآلات والتقنيات؛ وهي تنطوي أحياناً على مغريات، لا يمكننا ممانعتها أو إيقاف زحفها، ولا الصمود أمام هجمتها، لا بل إننا قد نضعف أمام جبروتها، أو نستسلم لمغرياتها، مع علمنا بتأثيرها السلبي على ثقافتنا وفكرنا ولغتنا؛ فما العمل يا تُرى! وما السبيل للحيلولة دون الوقوع في شباكها، ودون أن نكون لقمة سائغة لها ؟!

الكلام كثيرعمّا تتعرّض له ثقافتنا ولغتنا من ضغوط وتحدّيات، وتوصيفنا لسوء الحال كثير أيضاً، والشكوى تتزايد يوماً بعد يوم عن زحف العولمة وأخطارها المحدقة بنا؛ بيدَ أننا لانرى مَنْ يحاول كبح جماح هذه الضغوط والأخطار، ولا نرى الدراسات التي تنكبّ على تحديد المسؤوليات، وإظهار الإيجابيات والسلبيات،ولا نجدُ خططاً ولا برامج وقائية تعمل على تحصين هذه اللغة من كل خطر داهم، وليس هناك مَنْ يتّخذ إجراءات كفيلة بتعزيزها وتطويرها في مؤسساتنا.

فإذا أردنا حقاً أن نُعيد للغتنا اعتبارها ووهجها، وبريقها الذي كان لها في عصورٍ خلتْ، في أيام مجد العرب وازدهارهم، وإذا كنا نروم لأنفسنا موقعاً لائقاَ بين الأمم، توجّبَ علينا أن نعيد حساباتنا، وأن نعيد ترتيب حياتنا وأولوياتنا، وفي مُقدّمها احترام الذات الذي لا يكون بالمجاملات، ولا بالكلام المبهرج الزائف، إنما بتعزيز العلوم والمعارف والآداب وإعلاء شأنها، وهذا لا يكون بدون اللغة التي هي " مرآة عقولنا ومستودع آدابنا والدليل على سموّ مداركنا ودقّة نظرنا وسعة تصوّرنا "، وهي الحافظ لإرثنا وتاريخنا وذاكرتنا، والشاهد على حاضرنا ومستقبلنا.

بيدَ أن تطوير اللغة وتعزيزها، ليس بالأمر الهيّن اليسير، إنما دونه عقبات ينبغي تذليلها، وطريق طويل ينبغي ولوجُهُ، وهذا ليس مستحيلاً على مَنْ عقدَ العزم، وأراد السير في ركْب المتحضّرين من الأمم والشعوب.

علينا إذاً أن نبدأ من حيث يجب أن نبدأ، أي من المؤسسة التربوية التعليمية التي لم يعُد ممكناً ولا مُجدياً لأنظمتها أن تستمرّ في تقديم إجابات قديمة لتحدّيات جديدة، في عصر قرية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

اللغة العربية في لبنان

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» علم أولادك قواعد اللغة العربية مع برنامج ( قواعد اللغة العربية ) تعليمي ترفيهي.rar
» علم أولادك قواعد اللغة العربية مع برنامج ( قواعد اللغة العربية ) تعليمي ترفيهي
» تعليم اللغة العربية في الجامعات والمعاهد العربية العليا
» ارجو المساعدة في ايجاد موضوع لرسالة ماجستير في اللغة العربية فرع اللغة
» تحميل كتاب فعل القول من الذاتية في اللغة، لكاترين أوريكيوني مترجم الى اللغة العربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللغة والنحو والبلاغة والأدب :: منتدى اللغة العربية وأصول الفقه-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


اللغة العربية في لبنان  561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
التداولية الأشياء الخيام كتاب المعاصر ننجز بلال اللسانيات النص مبادئ مدخل العربي اللغة قواعد الحذف موقاي النحو النقد مجلة اسماعيل محمد العربية على الخطاب البخاري ظاهرة


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع