قدس سره :
كان مارا مساءا بعد عقدين من السنين بقرب هذا التل الذي يعرفه جيدا ، تغير المنظر تماما تناثرت عدة بيوت متباعدة هنا و هناك لم تكن موجودة من قبل و زرعت بعض الاشجار و النخيل و يمر من تحتها جدول يسري فيه ماء يروي الحقول في السهل المنبسط وتحلق في السماء او تحط طيور و يمامات و عصافير، و عن يمينه يصعد مسلك ترابي الى قمة التل وحالما سلكه رأى بضع سيارات متوقفة و جمع من الناس حول مرقد تعلوه قبة خضراء دخله فملأت منخريه رائحة البخور بينما كسا قماش اخضر قبرا وعملت عمامة بيضاء على بروز في احد طرفيه ، بينما جلس رجل ستيني ذو لحية بيضاء في احد الاركان على مصطبة حجرية في رقبته مسبحة طويلة يحرك حباتها بيده اليمنى و يحرك شفتيه بتمتمات ، بينما تُرمى في حضنه بعض العملات المعدنية و الورقية من الزائرين الذين يطوفون في القبر فيدسها في جيوب جلبابه بخفة و يبدأ بالدعاء لهم بكرامة و جاه صاحب المرقد و يعطيهم شريط من القماش ينتزعه بصوت مميز من قطعة قماش خضراء ليتبركون بها ، اما الغريب فخرج و جلس تحت جدار المرقد الغربي وهو يراقب الشمس و هي تغيب وماهي الا ساعة و خلا المكان من الزوار ولم يبق الا هو و قيّم هذا الضريح .
خرج القيّم من المرقد و فاجأه هذا الزائر الغريب الذي لم يره من قبل والذي بادره بالسؤال
الغريب : يا شيخي كم صار لك هنا
الشيخ : منذ اقيم المرقد الذي تبرع ببناءه ضابط كبير على هذا القبر الذي هو لولي الله عبدالكريم قدس سره .
الغريب : و كيف اهتديتم لقبر الولي
الشيخ : كان القبر موجودا ولم يعرف احد لمن هو ، الا بعد رؤيا لزوجة شيخ الناحية السيدة خديجة بانه قبر الولي الصالح عبدالكريم قدس سره .كان هذا قبل خمسة عشر عاما .
الغريب : و من اختارك لمهمة القيّم
الشيخ : اني من الدراويش من اتباع طريقة صوفية و قد تفرغت لخدمة المرقد منذ بناءه طلبا للاجر و الثواب .
الغريب : و الفلوس ماذا تفعل بها
الشيخ : كأنك تحاسبني ايها الغريب
الغريب : هناك سر لهذا المرقد لا احد يعرفه غيري .
الشيخ : اي سر ؟
الغريب : سر يجعلك تفقد مهنتك و ما تجني من نقود و يجعل هذا المرقد خرابا
الشيخ : اي سر هذا ؟
الغريب : قبل نحو عشرين عاما اذ كنت شابا طائشا عنيدا اخترت ان اكون مرافقا لجماعة من الغجر احببت احدى فتياتهم
فتبعتهم حيثما يحلون و الذين يعتاشون على الرقص و الغناء ويتجولون بين القرى و الارياف .
الشيخ متلهفا : ثم ماذا ؟
الغريب بحزن : ثم مرضت فتاتي و لفظت انفاسها الاخيرة في هذا المكان و قمنا بدفنها كيفما اتفق بلا حضور احد من رجال الدين في قمة هذا التل هنا حيث المرقد
الشيخ: انك تهذي بلا شك
الغريب : ان شئت أتني بمجرفة لنبش هذا القبر
الشيخ : و ما دليلك ان المدفون هنا هي فتاتك
الغريب : طلبت من الغجر عند دفنها ان يبقوا اساورها و خواتيمها وهي من معادن رخيصة في ايديها وكذلك قلادة من الخرز الازرق في جيدها .
الشيخ : اصمت فقد اربكني كلامك و ازعجني
الغريب : اما ان تجعل لي نصف النقود التي تحصل عليها او افشي السر
الشيخ : حسنا موافق لننبش القبر وأتأكد من كلامك
و في ظلام الليل و على ضوء الشموع المنذورة
شرعا في نبش القبر الذي لم يكن عميقا و لم يكن باتجاه قبور المسلمين وهذا ما غفل عنه حجاج هذا المرقد الذي يعتقدون انه ولي من اولياء المسلمين .
وعندما بانت العظام تبين صدق الغريب و ما ذكره بخصوص الحلي
الغريب وهو : يا حبيبتي العزيزة زهرة نال منك الدهر و لم يبق الا العظام و الحلي ، قدس سرك ايتها الحبيبة .
اما الشيخ فقد هوى بالمجرفة على رأس الغريب فتدحرج جسده في القبر فوق عظام حبيبته مضرجا بدمه
الشيخ : قدس سركما ايها اللعينين
واراد ان يشرع في الدفن و يعيد كل شيء على حاله في هذا الليل ولكن ابصر على الجدار ظلين بفعل ضوء الشموع فالتفت خلفه فاذا بشابين يحمل احدهم مصباحا صوب ضوءه في وجه القيّم تارة والى فم القبر تارة اخرى ، جلبهما صوت المجرفة في هدأة الليل اذ كانا مارين بالقرب
من المرقد وهم يقصدون سهرة في احدى بيوتات القرية .
احد الشابين : ما ذا جرى ايها الشيخ القاتل الدجال اللعين سنعرف كل ما جرى عند التحقيق معك .
ثم دفعاه خارج الباب وهو يتعثر بخطاه امامهم .
---------
١٦ / ١١ / ٣٠٢٢