مفهوم مدرسة الإحياء : وتعرف باسم مدرسة البعث والإحياء الكلاسيكية أو المدرسة الإتباعية و المقصود بها أنه كما تعود الروح لجسد هامد ، أو ترد له الحياة بعد أن فارقته أو كادت ، فيبعث إلي الدنيا من جديد ، بقلب نابض وحس واع كان الحال بالنسبة للشعر العربي ، فقد استسلم إلي حالة من الجمود ، أخذ على إثرها ينزل في مدارج الضعف والانحلال ، وذلك منذ وقوع بغداد سنة 1258 م ودمشق سنة 1260 م في أيدي الغزاة على يد (( هولاكو )) الذي قضي علي الخلافة العباسية وخرب بغداد ، وحرق المكتبات وهدم دور العلم ، وألقي بألوف المخطوطات التي تضم عيون الثقافة العربية وتحوي تراثها في النهر ليعبره بجيوشه.
نشأتها و تطورها :
ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، والربع الأول من القرن العشرين حيث بلغ الشعر غاية الضعف حتي فقد الحياة بسبب الغزو ، وانتهي إلي سكرات الموت خلال القرون الثلاثة المتعاقبة من حكمهم ، ولم يعد هناك من يتذوقه لسطحية موضوعاته وتفاهتها وضعف أسلوبه وركاكته ، وجهل القارئين له ، ولم يبق للغة العربية جلالها وبهاؤها علي ألسنة الناس وفي مسامعهم . وقد عم الجهل وشاع الفقر ، والاستبداد ، وظهر الخوف والظلم وحرمت مصر والبلاد العربية من مصادر ثقافتها وتعليمها ، بغلق المدارس ونقل الكتب ، وترحيل الخبرات من العلماء والمهندسين ، ورجال الفنون ، وأصحاب الحرف إلي تركيا , ليقيموا للأتراك حضارة كانوا يفتقدونها في دولتهم الناشئة
وفوق ذلك ألغي ديوان الإنشاء ، وفرضت اللغة التركية لغة رسمية بغية تتريك العالم العربي ، حينئذ لم يجد الشعراء من يتذوق شعرهم أو يشجعهم على الإجادة فيه ، فانصرفوا عن التجديد والابتكار ، واتجهوا إلي التقليد والتكرار ، ونزلوا بالشعر إلي الحضيض لجهلهم من ناحية ، وفقدان القدرة والمثل والمعلم من ناحية أخري . ومن ثم صار الشعر – كما سبق – كالجسم الهامد أو الجسد المحتضر في حاجة إلى من يمنحه القدرة علي الحس والنبض وينقله من حالة الانهيار والجمود والاحتضار ، إلي البعث والإحياء
وفي عام 1798 م كسر سور العزلة عن مصر بقدوم الحملة الفرنسية فتنبهت الأذهان إلى عالم جديد ، واتجه محمد علي والي مصر إلي أوربا يرسل إليها البعثات ، ويستقدم المعلمين ، ويفتح المدارس وينشئ المصانع ، ويعد الجيوش ، ليتوسع في سلطانه ، فأخذت رياح التغيير تهب علي مصر مع أبنائها العائدين من البعثات ،ومع تلاميذ المدارس التي أنشئت ، ومن خلال العلوم والمعارف التي استوردها الوالي الطموح ، وبدأ الاهتمام بالتراث العربي ، وأخذت المطابع في نشره ، فبعث بعد غيبة طويلة . وظهر أثر ذلك كله بعض الشعراء التقليديين ، من أمثال : الشيخ علي أبو النصر ، ومحمود صفوت الساعاتي ، وإسماعيل الخشاب
أهم رواد المدرسة الإحيائية :
لقد كان البارودي رائدا لمدرسة الإحياء والبعث التي سيطرت على الذوق قرابة قرن من الزمان وأهم أنصارها :
في مصر : إسماعيل صبري ، وعائشة التيمورية ، وأحمد شوقي ، وحافظ إبراهيم
في العراق : محمد رضا الشبيني ، وعبد المحسن الكاظمي ، والزهاوي والرصافي .
في سوريا : شكيب أرسلان . وأعقبهم *على الجارم – وعزيز أباظة – ومحمود غنيم*
سمات المدرسة :
حافظ شعراء هذه المدرسة على نهج الشعر العربي القديم في بناء القصيدة؛ فتقيدوا بالبحور الشعرية المعروفة ، والتزموا القافية الواحدة في كل قصيدة. و تابعوا خطى الشعراء القدماء فيما نظموه من الأغراض الشعرية، فنظموا مثلهم في المديح والرثاء والغزل والوصف.كما جاروا في بعض قصائدهم طريقة الشعر العربي القديم في افتتاح القصيدة بالغزل التقليدي ، والبكاء على الأطلال ثم ينتقلون إلى الأغراض التقليدية نفسها من مدح أو رثاء ونحوهما. كما أقدموا على استعمال الألفاظ على منوال القدماء فجاءت بعضها غريبة على عصرهم.
وأقدم كثير منهم على مناظرة روائع الشعر العربي القديم، وقلدوها بقصائد مماثلة وزناً وقافية أو موضوعاً وكانت تسمى هذه بـالمعارضة على نحو ما فعل شوقي في قصيدة نهج البردة التي عارض بها قصيدة البردة للإمام البوصيري.
ورغم كل ما قدموه من تقليد وانتهاج لما هو قديم إلا أنهم استحدثوا أغراضاً شعرية جديدة لم تكن معروفة من قبل في الشعر العربي، كالشعر الوطني ، والشعر الاجتماعي ، والقصص المسرحي، ونظموا الشعر في المناسبات الوطنية والسياسية والاجتماعية. واعتمدوا في نظمهم على الأسلوب الخطابي الذي يلائم المحافل. وكان شعرهم في مجمله هادفاً، جاداً في معناه، تنتشر الحكمة والموعظة بين ثناياه.
ملامح المدرسة الإحيائية :
تعدد المجالات ( السياسي – الاجتماعي – المجال الادبي الوجداني المتعدد والفردي كالرثاء والمدح)
ظهور المسرحية الشعرية على يد احمد شوقي
لازال القديم والتقليد يغلبان على افكارها
نسق الافكار مرتب . وحملت كذلك سمات الاقناع الوجداني
ظهور شخصية الشعراء مع اختلاف في مدى ذلك بين شاعر وشاعر
تتميز الصور غالبا في الخيال الجزئي التفسيري الحسي
تعنى في تعبيرها بالجزاله ومتانة السبك ، والصحه اللغوية مع شيء من الموسيقى الظاهره المتمثله بالمحسنات دون تكلف
عدم اكتمال الوحدة العضوية في هذه المدرسة فالبيت لايزال يمثل وحده مستقلة في القصيده
محافظتها التامة على وحدة الوزن والقافية
مظاهر التجديد عند الإحيائيين : تميزت مظاهر التجديد عند الإحيائيين في العناصر التالية :
التعبير عن التجارب الشعرية الذاتية الصادقة
ظهور أغراض جديدة مثل الشعر السياسي – الوطني
معالجة مشكلات العصر و التعبير عن القضايا القومية والاجتماعية و المرأة
رسم الصور الكلية
التعبير عن الغيـر
) الجمع بين اتجاهين ( الأخذ من التراث – والالتفات إلى ثقافة العصر
سهولة الأسلوب بسبب الارتباط بالصحافة
الخصائص الفنية عند الإحيائيين :
العودة إلى الموروث الشعري،ولاسيما عصر القوة
إحياء التقاليد الشعرية ،ولاسيما الطرق البلاغية من تشبيه واستعارة وكناية
ـ اعتماد الشعراء الإحيائيين على التراث الشعري الذي وصلهم في صياغة أساليبهم ورسم صورهم وإبراز أفكارهم عبر عنصر المحاكاة والمعارضة لكثير من قصائدهم.
محافظتهم التامة على وحدة الموضوع و البيت والوزن والقافية.
عنايتها الواضحة في مجال التعبير بالجزالة والمتانة والصحة اللغوية
اهتمامها بالخيال الجزئي
7 والسياسية إلى جانب المجال ـ عنايتها في مجال المضمون بالرؤية الإصلاحية الاجتماعية الأدبي الوجداني بأغراضه المتعددة
أغراض الشعر الإحيائي : لقد حافظ الإحياءيين على عمود الشعر وجزاله الالفاظ وغزاره المعاني وتحرروا من قيود المحسنات اللفظيه والتزموا الصوره الشعريه البيانيه ولذالك سموا بمدرسه المحافظين البيانين وكان العصر غالبا مقتصرا على تجديد الموضوعات وحسبما تقتضيه متطلبات العصر والظروف السياسيه والاجتماعيه التي تمر بها الشعوب العربيه وكان من البديهي ان اغراضهم الشعريه كانت متنوعه قديمه وجديده
المدح/ نهج شعراء هذه المدرسه نهج شعراء المدح السابقين
في الثناء على الممدوح وتعداد كريم صفاته والتغني ببطولاته وفضائله لكن مدح الحكام
خفت بظهور زعماء جدد هم زعماء الوظنيه والاحزاب السياسيه
الرثاء/ وقد تطور الرثاء تطورا نوعيا اذ لم يعد قاصرا على ذوي الجاه
والسلطان بل تجاوز ذالك الى الشخصيات الدينيه والوطنيه المعبره عن وجدان الامه وتوسع الرثاء
حتى شمل رثاء المدن والمناطق المنكوبه بالاحتلال واعتداءات المحتلين
الغزل / حظيت الجوانب العاطفيه بنصيب موفور عند شعراء هذه المدرسه
بيد انهم ادخلوا على هذا الغرض شيئا من التغير والتطور اذ تجاوزوا وصف المظاهر الشكليه
الى الانفعال باسرار الجمال والبحث عن جمال النفس اي البحث عن جوانب عاطفيه حقيقيه
الوصف / لم يعد الوصف عند شعراء هذه المدرسه قاصرا على تلك الطبيعه بل تجاوز ذالك الى بعث الحركه والحياه في الجمادات ووصف معارك التحرير وشهدائها
و لقد ظهرت أغراض جديدة لدى الإحيائيين وهي :
الشعر التاريخي : فالعرب في هذه الفتره بحاجه الى احياء ذكر امجادهم والارتباط بماضيهم العريق ولذالك كان لابد ان يحظى التاريخ بعنايه الشعراء لايقاظ الهمم وبعث الثقه بذالك الماضي التي عاشت الامه اجل ايامه
الشعر الوطني : نشأت هذه النزعه الوطنيه مصاحبه لثقل كاهل الاجتلال على الامه فنما وعي قومي ووطني تمثل في كثير من قصائد شعراء هذه الحقبه الزمنيه من امثال :
(( احمد شوقي - وحافظ ابراهيم- واحمد محرم-والزهاوي-والرصافي ))
وكان لهؤلاء دور بارز في كراهه الاحتلال ومقاومته والتحريض عليه كقول شوقي:
وللمستعمرين وان الانوا *^* قلوب كالحجارة لا ترق
وقول الرصافي متهكما بحال الامه :
ياقوم لا تتكلموا *^* ان الكلام محرم
الشعر التمثيلي : ظل هذا النوع من الشعر مجهولا في ادبنا العربي حتى نظم احمد شوقي في
السنوات الاخيره من حياته ست مسرحيات هي : مصرع كليوباترا – قمبيز- على باك الكبير- مجنون ليلى- عنتره .
محمود سامي البارودي (أنموذج) :
رب السيف والقلم ، ورائد مدرسة الإحياء والبعث ، وباعث النهضة الأدبية في العصر الحديث ولد سنة 1838 بالقاهرة من أسرة جركسية الأصل ، وتخرج في الكلية الحربية سنة 1854 ، وتم تعيينه ضابطا في الجيش ، وارتقي العديد من المناصب حتي صار وزيرا للحربية ، وحين قامت الثورة العرابية تم نفيه مع زعمائها ، بعد فشلهم إلى جزيرة سرنديب ، وظل في المنفي حتي سنة 1900 حيث أفرج عنه وعاد إلي مصر وظل بها حتى 1904 ، حتى توفي وقد واجه العديد من المصائب خلال منفاه ، ومن أبرز آثاره الأدبية ديوان البارودي ومختارات البارودي
من قصائده على مصر:
أبابلَ رأي العين أم هذه مصرُ........فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ
نواعسَ أيقظن الهوى بلواحظٍ.........تدين لها بالفتْكةِ البيضُ و السمرُ
فليس لعقلٍ دون سلطانها حمىً..............ولا لفؤادٍ من غشْيَانِها سترُ
فإن يكُ موسى أبطل السحرَ مرةً....فذلك عصر المعجزات و ذا عصرُ!)
فأي فؤاد لا يذوب صبابةً.............ومُزْنَةِ عينٍ لا يَصُوبُ لها قَطْرُ؟
على حبيبته :
تريك جمان القطر في أقحوانة....مفلجة الأطراف قيل لها ثغرُ
تدين لعينيها سواحر بابلٍ....وتسكر من صهباء ريقتها الخمر
رضيت من الدنيا بحبكِ عالماً...بأن جنوني في هواك هو الفخرُ
هوىً كضمير الزند لو أن مدمعي..تأخر عن سقياه لأحترق الصدرُ
مآخذات النقاد لشعراء مدرسة البعث
أخذ عليهم اهتمامهم بالصياغة البيانية والإفراط فيها، دون عناية بالمضمون، أو اهتمام بصدق التجربة والتعبير عن تجاربهم النفسية، وذكر بعض النقاد أن شخصية الشاعر وطبعه ولون نظرته إلى الحياة والكون لا تتضح في شعره. وقد كان رواد مدرسة الديوان أكبر المنتقدين لهذا النهج الشعري. وأفرد عباس العقاد في كتاب الديوان في الأدب والنقد مساحات كبيرة لانتقادات لاذعة لأشعار أحمد شوقي
و من أشهر المآخذات التي قالوها على شعر الإحيائيين :
الاهتمام بشعر المناسبات
عدم اهتمامهم بالوحدة العضوية
اهتمامهم بالصياغة اللفظية على حساب المعنى والوجدان
بدء القصائد بالغزل