منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك طلب عاجل  I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةطلب عاجل  I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة طلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة طلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبطلب عاجل  I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرطلب عاجل  I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبطلب عاجل  I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارطلب عاجل  I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 طلب عاجل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
إيمان الجزائر
عضو شرف
عضو شرف
إيمان الجزائر

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
171

نقاط :
315

تاريخ التسجيل :
28/12/2011


طلب عاجل  Empty
مُساهمةموضوع: طلب عاجل    طلب عاجل  I_icon_minitime2012-11-17, 10:30

السلام عليكم
النص لعبد السلام المسدي : " الإصطراع المصطلحي الذي تشهده اللغة في اي فترة من فترات حياتها انما هو"علامة صحية " كما نؤثر اليوم أن نقول انه دليل على أن تلك اللغة -ومعها اهلها- واقعة في خضم إحتكاك الحضارات تواجه بقدم راسخة حوار الثقافات في اعمق مدلولات " عبدالسلام المسدي , المصطلح النقدي , مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله د.ط د.ت ص 13.
من فضلكم اريد مقالا نقديا مختصرا في ضوء هذا النص وبسرعة و لكم مني خالص الشكر و الإمتنان و الله محتاجه له يوم الاثنين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهر السوسن
عضو شرف
عضو شرف
زهر السوسن

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
879

نقاط :
1493

تاريخ التسجيل :
17/10/2012


طلب عاجل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب عاجل    طلب عاجل  I_icon_minitime2012-11-17, 12:32

هذه مقالة احسبها ستفيدك فلست ضليعة بالادب لكن اجتهد فقط ارجو ان تفيدك
المصطلح ومشكلات تحقيقه ـــــ د.إبراهيم كايد محمود(*)

يشهد العالم تطوراً هائلاً في كل مناحي الحياة، يرافقه ظهور الكثير من المفاهيم والمبتكرات والمستحدثات التي تملأُ حياة الإنسان، والتي تحتاج إلى أسماء وعلامات تعرف بها، إذا أراد الفرد أن يتحدث عنها، ومعروف أن الجهة المخولة لاستيعاب كل الأمور المستحدثة والحاجات المتجددة والمفاهيم الجديدة هي اللغة، لأنها "تتحرك طوعاً كلما تلقت منبهاً خارجياً، فما إن يستفزها الحافز حتى تستجيب بواسطة الانتظام الداخلي الذي يمكنها من استيعاب الحاجة المتجددة والمقتضيات المتولدة"(1).‏

وهذا التقدم الكبير والتطور السريع في المعرفة البشرية بكافة أنواعها يعتمد على نقل المعلومات وتبادلها وتوثيقها، وتخزينها، ويستخدم المصطلحات والمفاهيم الدالة عليها أساساً يُعتمد عليه في تنظيم الآراء والأفكار العلمية، والمعلومات الأخرى كافة. إلاَّ أن هذا التطور العلميّ والتقنّي الهائل والسريع أدى إلى صعوبة وضع مصطلحات كافية لتغطي كل جوانب المعرفة الإنسانية. "إذ لا يوجد تناسب أو تطابق بين عدد المفاهيم العلمية وعدد المصطلحات التي تُعَبِّر عنها. فعدد الجذور في أية لغة لا يتجاوز الآلاف في حين يبلغ عدد المفاهيم الموجودة الملايين، وهي في ازدياد ونمو مضطردين، ففي حقل الهندسة الكهربائية مثلاً يوجد حالياً أكثر من أربعة ملايين مفهوم في حين لا يحتوي أكبر معجم لأية لغة على أكثر من ستمائة ألف مدخل. ولهذا تلجأ اللغات إلى التعبير عن المفاهيم الجديدة بالبحث والتركيب والاشتراك اللفظي وغير ذلك من الوسائل الصرفية والدلالية. وقد يقود ذلك إلى ارتباك واضطراب على المستويين الوطني والدولي، وخاصة أن تصنيف المفاهيم وطريقة التعبير عنها يختلفان من لغة إلى أخرى مما يؤدي إلى صعوبة في تبادل المعلومات ونموها وتغييرها، وفي وضع المصطلحات المقابلة لها. ومن هنا نشأ علم المصطلحات، وهو علم حديث النشأة شهد ميلاده هذا القرن وما زال في دور النمو والتكامل"(2).‏

ونظراً لتشعب العلوم وكثرة الفنون في العصر الحديث زادت عناية العرب بالمصطلحات التي لابد لهم من وضعها من أجل مواكبة التطور العلمي الذي يشهده العالم. وأفادوا من مزايا اللغة العربية واعتمدوا الوسائل والطرق التي اعتمدها علماؤنا القدماء في هذا الغرض، وأدت إلى استيعاب العربية لكل علوم عصرهم وفنونه، وأعانتهم على مواكبة الحضارة وإحرازهم قصب السبق في هذا المجال.‏

إن التطور الاجتماعي والثقافي سبب هام في ظهور مفاهيم جديدة ليس لها ما يقابلها في اللغة، فيعمد المعنيون بهذا المفهوم أو ذاك إلى وضع لفظ يدل عليه، ويُعْرَفُ المفهوم به، وهم عادة يلتمسون ذلك اللفظ من ألفاظ لغتهم التي يستخدمونها ويحرصون على إغنائها بكل ما تحتاج إليه من ألفاظ، حتى تبقى لغة العلم والحضارة، وقادرة على مواكبة كل جديد، من أجل أن يكتب لها البقاء والاستمرار، لأن المصطلح العلمي هو "أداة البحوث العلمية، وعن طريقه يتم التفاهم بين العلماء في شؤون المواد العلمية، وليس هناك علم بدون قوالب لفظية تعرف به، وهذه القوالب اللفظية هي التي نعني بها المصطلح العلمي".(3)‏

تعريف المصطلح:‏

بداية لابد من تحديد معنى "المصطلح"، وهو مصدر ميمي للفعل اصطلح، وقد يكون اسم مفعول لذات الفعل، على تقدير متعلق محذوف، أي "مصطلح عليه". وقد كان لعلمائنا القدماء جهود طيبة في مجال فهم المصطلح، وتحديد معناه والوقوف على أهميته، وقد رأوا أنه لابد من اتفاق مجموعة من العلماء عليه، ولابد من استعماله في مجال علميّ مُعَيَّن، أو فن بعينه، حتى يكون واضح المعنى، محدد الدلالة، مؤدياً الغرض المراد.‏

ومن خلال تتبع هذا اللفظ في كتب التراث، نلمس أنه يغلب على العلماء عدم التفريق بين كلمتي "مصطلح" و"اصطلاح" فقد استخدم المصطلحان وكأنَّهما مترادفان تماماً، فالجاحظ ت255هـ يقول: "وهم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية مالم يكن له في لغة العرب اسم فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلف، وقدوة لكل تابع"(4). فالعرب في رأيه ارتجلوا ألفاظاً معينة ليدل كل لفظ منها على معنى محدد وليؤدي مفهوماً واضحاً، معتمدين على الاشتقاق في وضع الأسماء للمسميات، ومالم يكن له اسم في لغتهم اصطلحوا عليه، وخلقوا له اسماً أو ابتكروا له لفظاً للدلالة عليه. ولم تكن عملية الاصطلاح هذه مقصورة على شخص بعينه، بل كانت اتفاقاً بين اثنين أو أكثر، وكلما جَدَّ لهم معنى، أَوْجَدوا له اسماً أو اشتقوه من لفظ معروف لمشابهة معينة، يقول: "ترك الناس مما كان مستعملاً في الجاهلية أموراً كثيرة، فمن ذلك تسميتهم للخراج: أتاوة، وكقولهم للرشوة ولما يأخذه السلطان: الحلوان، والمكس، كما تركوا: انعم صباحاً، وانعم ظلاماً وصاروا يقولون: كيف أصبحتم وكيف أمسيتم... واستحدثوا أسماء لم تكن وإنما اشتقت لهم من أسماء متقدمة، على التشبيه، مثل قولهم لمن أدرك الإسلام "مخضرم"(5).‏

وكذلك نجد الخوارزمي ت 380 هـ لا يفرق بين "الاصطلاح" و"المصطلح" فهو يقول في وصفه لكتابه "مفاتيح العلوم" إنه جعله "جامعاً لمفاتيح العلوم وأوائل الصناعات، مضمناً ما بين كل طبقة من العلماء من المواضعات والاصطلاحات"(6) ويمكن القول إنه قد أورد في نصه السابق ألفاظاً متقاربة المعنى أو شبه مترادفة هي "مفاتيح، أوائل، مواضعات، اصطلاحات"، كل هذا يقودنا إلى القول بأن الخوارزمي لا يرى فرقاً ذا قيمة بين هذه الألفاظ.‏

ولا نعدم أن نجد من استخدم اللفظين بمعنى واحد، فهذا أبو الحسين أحمد بن فارس ت 395 هـ يقول: "حتى لا يكون شيء منه مصطلحاً عليه" ويقول في موضع آخر "ولو كانت اللغة مواضعة واصطلاحاً لم يكن أولئك في الاحتجاج بأولى منا، في الاحتجاج، بنا لو اصطلحنا على لغة اليوم ولا فرق"(7). ثم يقول: إنه "لم يبلغنا أن قوماً من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من الأشياء مصطلحين عليه، فكنا نستدل بذلك على اصطلاح قد كان قبلهم، وقد كان في الصحابة وهم البلغاء الفصحاء من النظر في العلوم الشريفة ما لا خفاء به، وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو أحداث لفظة لم تتقدمهم"(8). ومثل هذا نجده عند التهانوي ت 1158 هـ الذي وسم كتابه باسم "كشاف اصطلاحات الفنون" وقد ذكر سبب وضعه لهذا الكتاب أنه لاحظ "اشتباه الاصطلاحات، فإن لكلٍّ اصطلاحاً خاصاً به" ونجده في موضع تال يقول: "فاقتبست منها المصطلحات، أوان المطالعة"(9)، وهكذا نجد أن التهانوي لم يفرق بين الاصطلاح والمصطلح وتحدث عنهما كأنهما شيء واحد.‏

وفي العصر الحديث يمكن القول إنه قد ظهرت ثلاثة اتجاهات حول استخدام لفظي "مصطلح" و"اصطلاح": الاتجاه الأول اكتفى بلفظ "اصطلاح" للدلالة على معنى اللفظ الذي يوضع للدلالة على معنى من المعاني المستجدة، واستبعد لفظ "مصطلح" نهائياً، ولم يأتِ على ذكر له، كما فعل أحمد فارس الشدياق في كتابه "الجاسوس على القاموس" فقال: "إن الاصطلاح هو اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص"(10)، ومثل هذا جاء في المعجم الوسيط"، اصطلحوا على الأمر تعارفوا عليه، واتفقوا، والاصطلاح ـ مصدراً ـ هو اتفاق طائفة على شيء مخصوص، ولكل علم اصطلاحاته".(11)‏

وتحدث الاتجاه الثاني عن اللفظين باعتبارهما شيئاً واحداً لا فرق بينهما، كما قال محمود فهمي حجازي" وكلا المصدرين "اصطلاح" و"مصطلح" لم يرد في القرآن الكريم أو في الحديث الشريف، أو في المعجمات العربية القديمة العامة. ومع تكون العلوم في الحضارة العربية الإسلامية تخصصت دلالة كلمة "اصطلاح" لتعني الكلمات المتفق على استخدامها بين أصحاب التخصص الواحد للتعبير عن المفاهيم العلمية لذلك التخصص. وبهذا المعنى استخدمت ـ أيضاً ـ كلمة "مصطلح"، وأصبح الفعل "اصطلاح" يحمل ـ أيضاً ـ هذه الدلالة الجديدة المحددة"(12) فالمصطلح و الاصطلاح شيء واحد لا فرق بينهما، فكلاهما استخدم من قبل أهل الاختصاص للدلالة على المفاهيم العلمية لهذا التخصص أو ذلك، فسواء قلنا "اصطلاح" أو "مصطلح" فالأمر واحد.‏

والاتجاه الثالث: يمثله كل من عبد الصبور شاهين، الذي فرق بين هذين اللفظين بقوله: "فنحن نتذوق في استعمالنا لكلمة (اصطلاح) معناها المصدري، الذي يعني الاتفاق والمواضعة والتعارف، ونقصد في استعمالنا لكلمة (مصطلح) معناها الاسمي الذي يترجم كلمة (Term) الإنجليزية، ولذلك لا نجد بأساً في أن نقول: (إن اصطلاحنا على مصطلح ما ضرورة في البحث)، وهو أولى وأفضل من أن نقول: (إن اصطلاحنا على اصطلاح) بهذا التكرار الرقيق. ويبدو أن هذه التفرقة في الاستعمال لم تكن واضحة قديماً"(13) وقد أشار إلى ما جاء عند (وبستر) في تعريف كلمة (Term) بأنها: لفظ أو تعبير ذو معنى محدد في بعض الاستعمالات، أو معنى خاص بعلم أو فن أو مهنة أو موضوع، وجاء تعريفه لكلمة Terminology أنها: "مجموعة الألفاظ الفنية أو الخاصة المستعملة في عمل أو فن أو علم لكلمة موضوعات خاصة". وبناء على التعريفين السابقين اللذين قالهما وبستر قدم شاهين تعريفه للمصطلح فقال: "هو اللفظ أو الرمز اللغوي الذي يستخدم للدلالة على مفهوم علمي أو عملي أو فني أو أي موضوع آخر ذي طبيعة خاصة".(14)‏

أما يحيى جبر فيذهب إلى ضرورة استخدام لفظ "الاصطلاح" دون لفظ "مصطلح" ويرى أن كلمة "مصطلح" لا تصلح لغة، وسبب ذلك أنها لم ترد في معاجمنا القديمة، ولم يستخدمها أسلافنا يقول: "إنه لغريب حقاً أن نجد معظم الباحثين يستخدمون كلمة "مصطلح" بدلاً من "اصطلاح" مع العلم أن هذه الكلمة لا تصلح لغة إلا إذا اصطلحنا عليها، وذلك أن أسلافنا لم يستخدموها، ولم ترد في المعجم لهذه الدلالة ولا لغيرها، وإنما استخدم العرب بدلاً منها، اصطلاح، كلمة مفرد، مفتاح، لفظ."(15) واكتفى بهذا القول دون أن يوضح لنا الفرق بين هاتين الكلمتين "اصطلاح" و"مصطلح" ومن أين جاء كل منهما وفي أي عصر.‏

أما توفيق الزيدي فقد تتبع ظهور "اصطلاحية" عند الغربيين وأشار إلى أن أول استخدامها في أوروبا كان في القرن الثامن عشر، كما أشار إلى أن الاصطلاحية، والمصطلحية شيئان مختلفان لكل منهما مجالاته ورجالاته، وأن المصطلحية انبثقت عن الاصطلاحية يقول: "غدت مسألة المصطلح عند الغرب موضوع علم مستقل هو الاصطلاحية" La. Terminologie ، وكعادة الغربيين في التأريخ لألفاظهم ومصطلحاتهم، درسوا تاريخية مصطلح "اصطلاحية" في ثقافتهم في مختلف مدلولاته، بداية من استعماله الأول في القرن الثامن عشر لدى Christian Gottfried Schuly، فظهوره بفرنسا سنة 1801 لدى Sepastin Mercier، تم استعماله العلمي بإنجلترا سنة 1837، لدى William Whewell، عن الاصطلاحية كان علمها الوليد المصطلحية La Terminographie التي تُعنى بالجانب التطبيقي، وكان واضع هذه التسمية الفرنسي ألان راي Alian Ray، فإن عنيت الاصطلاحية بالجانب النظري وبمسألة الاصطلاح عامة، فإن المصطلحية عُنيت بالمصطلحات جمعاً ودراسة ونشراً. وإن تكامل العِلْمان فمعالجتهما هي من اختصاص الاصطلاحيين Les Terninographie والمُصطلحين Les Terminologues، وليس الأمر هنا من قبيل الألقاب، بل إنه الدليل على أن مسألتي الاصطلاح والمصطلح قد استقر عِلماهما. وللعِلْمَين أهلٌ عارفون بخفاياهما، ولقد سارت شهرة هؤلاء الاصطلاحيين والمصطلحيين الذين يقفون على رؤوس مدارس بعينها أمثال اوجان فوستر Eugen Waster، وهلموت فلبير Helmot Felber، وآلان راي Alain Ray وروبار دوبول Robert Dubuc.(16)‏

وقد ذكر محمود حجازي تعريفات هذا العلم عند الأوروبيين منذ أقدم تعريف، يقول: إن المصطلح كلمة لها في اللغة المتخصصة معنى محدد وصيغة محددة، وعندما يظهر في اللغة العادية يشعر المرء أن هذه الكلمة تنتمي إلى مجال محدد". ثم يذكر تعريفاً من التعريفات الحديثة يقول: "المصطلح كلمة أو مجموعة من الكلمات من لغة متخصصة (علمية أو تقنية.. الخ)، يوجد موروثاً أو مقترضاً، ويستخدم للتعبير بدقة عن المفاهيم وليدل على أشياء مادية محددة". ثم يشير إلى اتفاق المتخصصين في علم المصطلح على أفضل تعريف وهو "الكلمة الاصطلاحية أو العبارة الاصطلاحية مفهوم مفرد، أو عبارة مركبة استقر معناها، أو بالأحرى استخدامها، وحُدِّدَ في وضوح، وهو تعبير خاص ضيق في دلالته المتخصصة، وواضح إلى أقصى درجة ممكنة، وله ما يقابله في اللغات الأخرى، ويرد دائماً في سياق النظام الخاص بمصطلحات فرع محدد، فيتحقق بذلك وضوحه الضروري"(17).‏

إن حرص العلماء في القديم و الحديث على تعريف المصطلح وتحديد مفهومه وتوضيح المراد به، نابع من أهميته ودوره في ربط الصلات بين الأمم والتواصل بين الشعوب، كما أنه تابع من أهميته في نقل العلوم والمعرفة وتعميم الثقافة والابتكارات، ونشر كل جوانب الحضارة المعاصرة والنظريات المختلفة التي تخدم جوانب الحياة الإنسانية كافة، فالمصطلح "يلعب دوراً هاماً في ربط الصلة بين الأمم والشعوب، وفي نقل المعرفة والتكنولوجيا. ونشر آثار الحضارة الحديثة، فضلاً عن أن من النظريات ما يقر التوافق بين المصطلحات، وأوضاع الشعوب الاجتماعية"(18).‏

والحاجة إلى المصطلح لا تنتهي، ودائرته لا تغلق، ومجاله لا يحد، فهو علم دائم التجدد والتطور لأنه مرتبط بنمو المعرفة الإنسانية واتساع دائرتها ونطاقها، فكلما جَدَّ جديد في حياة الإنسان اصطلح على اسم له، فعملية الاصطلاح لا تنتهي عند حَدّ، لأن المعرفة الإنسانية لا تتوقف.‏

وقد عرف العرب القدماء المصطلح، وخبروا خفاياه وجوانبه المختلفة، كما لمسوا أهميته وفوائده في بناء النهضة العلمية التي سعوا إليها، ووقفوا على طرائق وضعه بما أفادوه من الترجمات عن اللغات الأخرى، وبلغت العربية قمة التطور والمرونة في التعبير عن كل المستجدات من النظريات العلمية والآراء الفلسفية، حتى أصبحت الواسطة الكافية للتعبير عن كل مناحي الفكر العلمي والتقني في تلك العصور.‏

وفي العصر الحديث رأى علماؤنا التخلف الحضاري والفكري الذي تعيشه أمتنا العربية، وتلمسوا السبب في ذلك، فأدركوا مدى قصور لغتنا عن الوفاء بمتطلبات العصر، ومدى قصورها في التعبير عما يَجِدُّ من مفاهيم علمية وتقنية حضارية، فهبَّ الغيورون منهم لدعم العربية، وابتكار المصطلحات التي تعبر عن مستجدات الحياة، وبذلوا جهوداً مضنية في سبيل تعزيز لغتهم ورفدها بما تحتاج إليه، حتى لا تطغى عليها القوالب اللفظية الأجنبية، ويُحْكَم عليها بالعجز والفشل، وأنها ليست لغة علم، وتُحَقَّقُ المقولة الباطلة بأنها لغة عاطفة وأدب.‏

فأسست لهذا الغرض المؤسسات العلمية والثقافية، كما أسست المجامع اللغوية التي جعلت من أولويات مهامها وضع المصطلحات العلمية التي تفتقر إليها اللغة العربية، وقد واجه رجال هذه المجامع والمؤسسات صعوبة جمة في هذا الإطار، ذللوا معظمها، معتمدين على طبيعة اللغة العربية ومالها من مزايا وخصائص تساعد في هذا المجال. كما اصطدموا بعدة عقبات تحول دون تحقيق عملية الاصطلاح بسهولة ويسر، التي من أهمها أننا نأخذ من لغات بعيدة عن اللغة العربية، لا تنتمي إلى نفس العائلة التي تنتمي إليها العربية، فلكل لغة ولكل عائلة لغوية خصائص معينة تختلف فيها عن غيرها من اللغات، وهذا يعني أن الأخذ بين لغتين متباعدتين من حيث الانتماء اللغوي أصعب بكثير من الأخذ بين لغتين تنتميان إلى عائلة لغوية واحدة، فالعربية المعاصرة، تأخذ كثيراً من مصطلحاتها عن اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية اللتين تنتميان إلى العائلة الهندو أوروبية، وهذا يعني أن الاصطلاح على هذه المفاهيم الكثيرة التي تُسْتَحْدَثُ بسرعة فائقة نظراً لسرعة التطور العلمي والتقني سيكون أمراً عسيراً وبحاجة إلى جهد ووقت كافيين حتى يمكن التعبير عنها بدقة وصحة تامتين.‏

وإذا حاولنا أن نستقصي هذه العقبات التي تقف عائقاً في وجه تحقيق الاصطلاح أمكننا في البداية أن نقول: إن قسماً منها يختص باللغة العربية واللغات التي تأخذ منها والهوة العميقة التي تفصل العربية عن غيرها من اللغات الهندو أوروبية، والقسم الثاني يتعلق بمنهجية الاصطلاح. فلابد هنا من الحديث عن وضع آلية تسهم في محاولة تقليل البعد بين العربية واللغات التي تأخذ منها. كما لابد من الحديث عن منهجية وضع المصطلح وما يحول دون تحديدها بدقة:‏

تأخذ اللغة العربية معظم المصطلحات عن اللغات الأوروبية التي تمتاز بصفة الإلصاق فتستطيع أن تُوجِدَ ما تحتاج إليه من المصطلحات بزيادة السوابق Prefixes أو اللواصق suffixes أو الأحشاء Infexes، وباستعمال هذه الأدوات تتمكن هذه اللغات من التعبير عن كل المعاني والمفاهيم والأفكار بدقة ووضوح، وهو ما تفتقر إليه اللغات السامية، والعربية إحداها، فالعربية كما هو معروف من اللغات الاشتقاقية وإن بدا فيها بعض الجوانب الإلصاقية كما هو الحال في الجمع السالم والمثنى والتأنيث وغيرها. كما تتميز اللغات الأوروبية بقدرة فائقة على صوغ الكلمات المركبة، وهو ما لا نجده في اللغة العربية إحدى اللغات السامية التي من خصائصها خلوها من الكلمات المركبة إلاَّ في بعض الأعداد، هذان سببان من الأسباب التي تعيق علمية الاصطلاح، وتجعلها صعبة وشاقة.‏

والقسم الثاني من أسباب صعوبة صوغ المصطلح هو: منهجية وضع المصطلح، فلا نستطيع أن ننجح في وضع المصطلحات مادمنا نفتقر إلى منهجية واضحة محددة لهذا الغرض، لأن المعرفة لا يمكن أن تكون تامة ودقيقة وشاملة دون منهجية دقيقة متكاملة تعتمد عليها في مواجهاتها لكل متطلبات الحياة العلمية والحضارية وغيرها التي لابد لها من وعي شامل ومسؤولية تامة. وقد بذلت الجهات العلمية العربية المختلفة من منظمات وهيئات ومجامع لغوية جهوداً كبيرة في سبيل وضع المصطلحات وفق المعايير والمقاييس الدولية، إلا أنها لم تستطع أن تضع منهجاً واضحاً محدداً ملزماً يلتزم به الجميع، يقول الحمزاوي: "الملاحظ أن المنظمات والهيئات العربية قد بذلت جهوداً كبيرة في هذا الشأن دون أن توفر لنا واحدة منها منهجية شاملة جامعة، تأخذ بعين الاعتبار ما يتطلبه وضع المصطلحات ترجمة وتوحيداً من معايير ومناهج".(19) فلم تأبه كل هيئة من هذه الهيئات المختلفة بما يفعله غيرها من الهيئات والمنظمات الأخرى في هذا الإطار، بل أغمضت أعينها عن كل ماتم إنجازه من قِبَلِ غيرها من الهيئات والمنظمات، مما ترتب عليه كثير من التكرار والازدواجية، أدى كل هذا إلى تخبط غير محمود في وضع المصطلح، إضافة إلى إضاعة الوقت والجهود الكثيرة التي بذلت دون الإفادة منها بشيء، "فظلت كل هيئة تصدر ما تراه صالحاً ومفيداً ولو بإعادة ما سبق لغيرها أن أقرته وجربته ونجحت فيه".(20). بل أشد من ذلك أن النعرة القطرية الضيقة لا زالت تعيش في عقول كثير من باحثينا الذين يأنفون الاطلاع على ما وضعه غيرهم في الأقطار العربية الأخرى من مصطلحات، وإذا حصل أن اطلعوا عليه فإنهم يغضون من شأنها بل يرفضون قبولها، هذه النعرة الإقليمية البغيضة التي ترى الأمة العربية الواحدة أمماً مختلفة أدت إلى عدم التواصل العلمي بين العلماء العرب، مما ترتب عليه شيوع مصطلحات علمية أقل دقة من غيرها.‏

إن المنهجيات العربية المعاصرة تخلط بين كثير من العناصر التي تسهم في وضع المصطلح، فهي لا تفي بالغرض المطلوب وتسبب الكثير من الفوضى وعدم الدقة، إلى جانب الخلط "بين وسائل الوضع وتقنيات الترجمة ومناهج التوحيد والتنميط"(21). وهذا يعني أننا لا نزال تنقصنا الرؤية الواضحة التي يترتب عليها عدم الثقة في كل ما يقدم في مجال المصطلح، كما لا تزال تنقصنا الإرادة القوية النابعة من الثقة بالنفس، الإرادة التي تتردد في صياغة كل ما يلزم من مصطلحات تعبر عن كل ما يجد في حياتنا بكل جوانبها.‏

بالرغم من أن العرب قد قطعوا شوطاً طويلاً في مواكبة الحضارة العالمية، وبلغوا شأواً هاماً في العلم والثقافة، إلا أن قضية المصطلح في العربية لا تزال ينتابها كثير من الأزمات، وتصطدم بعدد من المعوقات والمثبطات حالت دون تمكن الهيئات والمؤسسات المكلفة بالاصطلاح من القيام بدورها كاملاً رغم الجهود الصادقة والمخلصة التي تبذلها. وقبل المطالبة بوضع المصطلحات لكل ما يستجد من مبتكرات ومخترعات، وما يوضع من نظريات وفلسفات علينا أن نجلو ماهيَّة المصطلح، ونحدد أبعاده، ونأخذ بالأسباب التي تسهم في تحقيقه، وتزيل المشكلات والعقبات التي تعترض طريقه.‏

لابد من الإشارة هنا أن وضع العربية وما يعانيه مع قضية المصطلح وضع عام تعاني منه بقية اللغات في العالم، فلا توجد لغة من اللغات المعاصرة لا تشكو من أزمة المصطلح، حتى تلك اللغات التي تعد لغات الحضارة والتقنية والعلم، أي أن وضع اللغة العربية ليس محبطاً وقاصراً في هذا المجال، ولا يمكن القول إن اللغة العربية لغة أدبية عاطفية فحسب لا يمكن أن تكون لغة علمية، هذه أقوال مغرضة ومشبوهة، فاللغة العربية لغة علمية ثبت ذلك في الماضي حين تمكنت من استيعاب علوم السابقين وهضمتها وتمثلتها ثم زادت عليها، وأصبحت في تلك الحقبة من الزمن لغة العلم بكل فروعه وفنونه اعترف لها العالم أجمع، فإذا كانت قد نجحت في تلك التجربة في الماضي فَحَرِيٌّ بها أن تنجح فيها في الحاضر."وإذا عرفنا أن اللغة العلمية مستوى خاصٌّ بالتعبير عن وصف الأشياء لتعيين ماهيتها، على اعتبار أن يراد بالأشياء كل ما يدخل في نطاق الحواس الإنسانية من مخلوقات، ويراد بالوصف كل جهد يأخذ شكل التقرير أو التحليل أو التركيب العلمي"(22) فإن اللغة العربية من أشهر لغات العالم التي تدخل في هذا الإطار، وإن قصورها في هذا العصر ليس نابعاً من ذاتها، إنه ناتج عن قصور واضح في أهلها ومتكلميها، فنحن أمة مستهلكة تعتمد في حياتها على غيرها من الأمم المتقدمة، لذا يشعر كل فرد من أبنائها بضعف في تخصصه، وإذا شعر بذلك خشي أن يفكر أو يبتكر، لأنه يرى غيره أقدر منه على الإبداع والابتكار، ويرى نفسه ليس أهلاً لذلك وغير قادر عليه، لأن المعرفة تخلق الثقة بالنفس، وكلما وثق المرء بنفسه اعتزَّ بها، وأقدم على عمل ما يريد دون تردد أو وجل. ويمكن القول إنه يحق للهيئات والمراكز العلمية العالمية أن تصف اللغة العربية بأنها "لغة أدبية" فقط، والسبب في ذلك أن أبناء العربية وبخاصة أولئك الذين تلقوا دراساتهم في دول أجنبية وبهرهم بريق الحضارة، يكتبون أبحاثهم ويدونون ابتكاراتهم بلغات أجنبية، فتحسب لتلك اللغات وتحرم منها اللغة العربية، التي تبقى الكتابة بها مقصورة على الأدباء والشعراء وبعض المتخصصين في العلوم الإنسانية، فيصدق الحكم للغير أنها لغة أدبية، لم تقدم بحثاً علمياً، فإذا أردنا لهذه اللغة أن تصبح لغة علمية، فعلينا أولاً أن نخلق الثقة في نفوس أبنائها بأنها لغة قادرة ولها من الخصائص والمزايا مايمكنها أن تواكب اللغات الأخرى، فإذا اقتنع الفرد العربي بهذا واعتَزَّ بلغته، عاد أبناؤها إلى الكتابة بها كل في مجاله. كما أن زرع الثقة في نفس العربي وإفهامه أنه قادر على الإبداع والاكتشاف والابتكار يخلق لدينا علماء مبتكرين مبدعين، يدونون إبداعاتهم وابتكاراتهم بلغتهم، ومن اكتشف شيئاً، أو ابتكر فكرة لابد له من التعبير عنها أو الاصطلاح على اسم لها، وعدم الابتكار عند العرب في العصر الحديث سبب هام من أسباب انهمار المصطلحات في كل مجالات المعرفة والفنون التي يتعب علماؤنا في وضع نظير لها بالعربية.‏

إن هذا التردد والإحجام، وهذا الضعف وعدم الثقة، وهذا الإقلاع عن الكتابة بالعربية يجعلنا نعيش حالة من الصراع المرير في كيفية مواكبة التطور العلمي والحضارة، ومع هذا يمكن القول إن الإحجام حيناً والإقدام حيناً آخر، والخوف مرة والتردد مرة أخرى في وضع المصطلح هو علامة صحية تعيشها أُمتنا، لأن "الاصطراع المصطلحي الذي تشهده اللغة في أي فترة من فترات حياتها، إنما هي علامة صحية، كما نؤثر اليوم أن نقول، لأنه دليل على أن تلك اللغة ومعها أهلها واقعة في خضم احتكاك الحضارات، تواجه بقدم راسخة حوار الثقافات في أعمق مدلولاته"(23). ومهما يكن من أمر فإن المصطلح عند العرب لا زال يجابه معوقات كثيرة، وإذا حاولنا أن نتلمس مشكلات المصطلح ومعوقاته عندنا، أمكن القول إن هناك أسباباً كثيرة تسهم في إعاقة المصطلح وعدم استقراره، ويمكن أن تعزى هذه إلى الأسباب التالية: ـ‏

أسباب تتعلق بالمنهج:‏

إن المنهج الواضح المحدد بدقة وموضوعية شرط أساسي في كل عمل يقوم به المرء، خاصة أننا نعيش في عالم يغلب عليه التطور العلمي والتقني الهائل الذي يداهمه بسرعة مذهلة، وأي عمل يفقد المنهجية الدقيقة المستوعبة لجوانبه المختلفة يكتب له الفشل، لأن "المنهجية نصف المعرفة وزيادة في عالمنا الحديث الذي شملت مفاهيمه ومصطلحاته الإيجابية والسلبية كل دان وبعيد"(24).‏

ومع إيماننا بأهمية المنهج وضرورة الالتزام به، إلا أننا نجد في عالمنا العربي اضطراباً وخلطاً ورؤية غير واضحة في كثير من المناهج التي يسير عليها علماؤنا، كل ذلك أدى إلى قصور هذه المناهج وعدم وفائها بالغرض المراد، لذا يمكن القول إن "المنهجيات العربية الموجودة حالياً لا تُميِّزُ غالباً بين عناصر مختلفة. فهي تخلط بين وسائل الوضع، وتقنيات الترجمة ومناهج التوحيد والتنميط".(25).‏

كما أن قصور المنهجيات العربية عن الوفاء بمتطلبات العصر من المصطلحات قد يكون ناتجاً عن عدم وضوح مفهوم المصطلح لدى كثير من المُصْطَلِحين، كما قد يكون ناتجاً عن الاجتهادات المختلفة التي يضعها أولئك المصطلحون الأفراد كل حسب رؤيته، دون التزام بمنهجية موحدة تلزم الجميع العمل بها حتى تنتج أعمالاً بنفس المستوى، وعلى قدر من الاتفاق والتحديد. إن الاصطلاح على مفاهيم علمية وفنية وتقنية منهجية محددة سيؤدي إلى اضطراب وتشويش وقصور في هذا المجال "والسبب راجع فيما يبدو لي إلى غياب تمثيل نظري للقضية المصطلحية، وإلى عفوية المنهجيات المقترحة بضبط المصطلحات".(26)‏

إن العفوية وغياب المنهج الواضح في وضع المصطلح الذي يخضع في كثير من حالات وضعه إلى عملية المراس والمزاج الشخصي أدى إلى كثير من النتائج السلبية التي تتسم بالاضطراب والفوضى وعدم الدقة والتناسق والوضوح، وهو ما أشار إليه الفاسي الفهري بقوله: "إن أهم ما يتسم به وضع المصطلح هو طابعه العفوي، وهي عفوية لا تقترن بمبادئ منهجية دقيقة ولا باكتراث بالأبعاد النظرية للمشكل المصطلحي. وقد قادت هذه العفوية إلى كثير من النتائج السلبية، في مقدمتها الاضطراب والفوضى في وضع المصطلح، وعدم تناسق المقابلات المقترحة للمفردات الأجنبية".(27)‏

إن وضع المصطلح وتحديد معناه ليس أمراً يسيراً يمكن لكل شخص أن يقوم به، يقول لوي هيلمسلاف Louis hjelmslry "المصطلح إنما هو مسألة ذوق ولا يمت إلى حقائق الأمور بصلة".(28)فلا بد لمن أراد القيام بعملية الاصطلاح من أن يكون واسع الثقافة والعلم متخصصاً بأحد فروع المعرفة المختلفة ملمّاً بكل دقائق تخصصه، كما لابد أن يكون صاحب دراية عميقة بكل دقائق لغته، فالمصطلح "وليد مهارة التخيل والإبداع عند واضعه، وليس وليد شروط لغوية معينة تلزم باقتراحه بدل غيره"(29). فوضع المصطلحات لا يتأتى لكل فرد وإن حاول ذلك جاهداً. إنه مهنة العلماء والباحثين، ولا يقوم به إلا المتخصصون المبدعون من خلال أبحاثهم العلمية، التي توصلهم إلى استنتاجات ومفاهيم جديدة ليس لها من ألفاظ اللغة ما يعبر عنها أو يدل عليها، فإذا اضطر أحدهم إلى التعبير عن مفهوم معين أو معنى خاص يدور في خلده ومخيلته فإنه يلجأ إلى خياله وفكره وحسه اللغوي ويضع مسمى لتلك الفكرة أو ذلك المفهوم، ولا يجب عليه التماس مناسبة بين الاسم والمسمى "إننا لا نستخدم المصطلح ليصف لنا ما ينضوي تحته من حقيقة علمية، بل نريده مجرد رمز لها يساعد على استحضارها فكرياً".(30) وهذا يعني أن وضع المصطلح لا يكون إلا للعلماء الباحثين، ولا ينفصل عن الدراسة العميقة والبحث العلمي الدقيق الذي يعتمد على عقل وحكمة راجحين، وإرادة قوية، ولا ينفصل عن البحث العلمي "إن صوغ المصطلحات لم يكن عملاً منفصلاً عن البحث العلمي بل كان جزءاً لا يتجزأ منه. إذ إن المصطلحات تُخْلقُ نتيجة للحاجة إليها في أثناء البحث وليس عملاً مستقلاً".(31)‏

وقد تطور وضع المصطلح وأصبح يقوم على أسس ومناهج واضحة محددة، مما أظهر علماً جديداً خاصاً به هو "علم المصطلح أو المصطلحية Terminology والعلم، أيّ علم، لا يقوم على العفوية والمزاجية، بل على أسس واضحة محددة ومع أن وضع المصطلح قد يتسم بطابعه العفوي "إلا أن التجربة أثبتت أن الممارسة العفوية لا تكفي، وأن توليد وتوالد المفردات يخضع لمبادئ وقيود نظرية ومنهجية من شأنها أن تكون علماً مستقلاً هو المصطلحية"(32)‏

إن الاضطراب المنهجي في وضع المصطلح الذي يغلب على أعمال علمائنا الاصطلاحيين هو السبب الهام في أن "المصطلح العلمي العربي لا يزال بدوره عاجزاً عن اكتساب حَيِّز دلالي دقيق مضبوط مالم يعتمد على مصطلح أعجمي مرجع يدعمه"(33).‏

وهكذا فإن وضع منهجية دقيقة ملزمة لكل المصطلحين أمر هام لابد من وجوده حتى يمكن أن تتصف عملية الاصطلاح عندنا بأنها عملية علمية مبنية على أسس ومناهج سليمة، ولا تشكل العفوية فيها شيئاً يذكر، كما أنها بعيدة عن الفهم الخاص والمزاجية الفردية.‏

أسباب تتعلق بفوضى المصطلح:‏

قبل الحديث عن فوضى المصطلح، لابد من القول إنّ هذه الفوضى ليست خاصة بالمصطلح، بل هي وضع عام لا يسلم منه أي علم من العلوم في كل الثقافات، والعلم في نهاية الأمر مصطلحات تم اختيارها بدقة وموضوعية، ولأن "وضع المصطلح مرتبط إلى حد بعيد بوضع العلم، فلا ننتظر أن يكون المصطلح ناضجاً والموضوع الذي يفصح عنه ما زال متردداً مضطرباً، ولا نتوقع أن يكون صارماً في ضبطه والمادة التي يترجم عنها ما زالت تقتضي الدرس والضبط، لذلك لم يكن بدعاً أن يساير المصطلح البحث العلمي فينضج كلما نضج، وتنضج أبعاده كلما أضيئت قضايا العلم واتضحت أبعادها(34).‏

وإذا كان العلم والمعرفة في تطور ونمو مستمرين، فإن هذا يعني أن المصطلح لن يكون مستقراً كما نريد، بل علينا أن نصطلح ونطور مصطلحاتنا مع تطور العلم حتى نبقى مواكبين لهذا التطور"(35)، والمصطلحات، كما هو معروف، تخلق عند الحاجة إليها وتخلق في أثناء الدراسة والبحث، لأن صوغ المصطلحات "عملية إبداعية يقوم بها المتخصص في أثناء قيامه ببحثه عندما تلجئه الضرورة إلى ذلك"(36)، فإذا توقف البحث والإبداع والابتكار عند أمة من الأمم فإن هذا يعني توقف خلق المصطلحات، لأنه "كلما اتسع نطاق التفكير وتشعب في إطار حقل معرفي بعينه، مست الحاجة إلى الجديد من المصطلحات"(37). وإذا أرادت تلك الأمة أن تساير ركب الحضارة فلابد لها من اقتراض تلك المصطلحات من لغات أخرى، وهذا يعني أن تلك الأمة تسير في آخر الركب العلمي والحضاري، وهذا ما تعيشه الأمة العربية في العصر الحاضر، فنحن "نتعامل مع المعرفة الإنسانية فوق أرض غَربيَّة، فكان طبيعياً أن لا تكون مصطلحاتنا موحدة، بل إن مراجعنا ليست كذلك، ومراجعنا يشيع فيها الاختلاف الاصطلاحي أكثر من الاتفاق".(38)‏

إذا كنا قد سلمنا بهذه النتيجة فعلينا: أن نعمل على زيادة البحث، وأن تكتب بحوثنا وفي كل المجالات باللغة العربية، حتى تحسب تلك البحوث لنا وللغتنا، لا إلى اللغات الأخرى التي كُتبت بحوثنا بها.‏

إن البحث العلمي الجاد والعميق هو الذي يوجد مفاهيم ونظريات تتطلب مصطلحات وأسماء توجب على الباحث البحث عنها واختيار ما يناسب منها، لأن "المصطلحات العلمية شأنها شأن الكلمات العادية في اللغة، وليدة لصفة الإبداع في اللغة، والإبداع في اللغة وليد لوجود أفكار يراد بها التعبير عنها، ووليد معرفة لغوية تعين المتكلم على تلمس طرق التعبير في اللغة".(39) ولغتنا العربية مرنة مطواع، لها من المزايا والخصائص ما يجعلها قادرة على توليد واشتقاق الصيغ التي تسد عوزنا من المصطلحات، بل إنها "أقدر اللغات على وضع المصطلحات وتوليدها واشتقاقها ونحتها وتطويرها، وذلك للعلاقة القائمة بين الصيغ الصرفية والمفاهيم العامة في الوجود"(40).‏

كما علينا أن نعمل على توحيد مصطلحاتنا التي تعمها الفوضى ويلفها الغموض والاضطراب "لأن الغرض من توحيد المصطلحات هو تهيئة الأرضية اللغوية الصالحة لوحدة الأمة الفكرية والاجتماعية والسياسية"(41). وليس الغرض من توحيد المصطلح تجميد اللغة وتجميد العلوم بترجمة معينة، أو باعتماد لفظة دون غيرها، بل الغرض من التوحيد تجنب المصطلحات المشتركة التي تصبح مترادفات في اللغة العلمية العربية التي يجب أن تخلو من الترادف قدر الإمكان، هذه المترادفات التي "تعد نعمة ونقمة في آن واحد في مجال المصطلحات العلمية والتقنية، فهي نعمة إذا استعملت للتفريق بين المفاهيم المتقاربة، وهي نقمة إذا وضع عدد منها مقابلاً للمفهوم التقني الواحد، إذ إن ذلك سيؤدي إلى اختلاف الاستعمال وتعدده"(42). حقاً إن المترادفات تكون نعمة إذا أحسن استخدامها، أي أن يكون المستخدِمُ لها لغرض الاصطلاح عارفاً بكل دقائقها، وملماً بكل الفوارق الدقيقة بين معانيها، إذ ليس من السهولة بمكان لكل مترجم أو مصطلح أن يلم بكل هذه الفوارق، خاصة أننا في العالم العربي لا نزال نفتقر إلى المعاجم التاريخية والمعاجم التأصيلية "التأثيلية" التي تساعد على تحديد الفروق بين هذه المترادفات، وهي نقمة إذا لم يتمكن المصطلحون في أقطار الوطن العربي من الاتفاق حول المقابل الدقيق والأوحد للمفهوم الواحد.‏

ويرى بعض الباحثين أن توحيد المصطلح يقود إلى الجمود في اللغة والتحجر في البحث العلمي، يقول محمد النويري:"إن الدعوة إلى توحيد المصطلح تبدو لي قضية زائفة وعلى غاية من السطحية، لأنها تحجب عنا القضايا الحقيقية التي ينبغي أن نركز فيها اهتمامنا. ثم إن طرح مسألة التوحيد يصبح خطراً لأنه في بعد من أبعاده حكمٌ على البحث العلمي بالجمود، والعلم إنما يجد تربته الخصبة في الاختلاف والخلاف".(43)، قد يكون محمد النويري محقاً في حرصه على استمرارية البحث العلمي ونموه وتطوره، ومحقاً في خوفه من تعثر ذلك البحث وتوقفه، ومحقاً في مقاومة كل شيء قد يؤدي إلى ذلك، لأننا في مسيس الحاجة إلى التطور العلمي والتقني، لكن لابد من القول إن توحيد المصطلح قضية هامة ملحة، لأنها تعني خلق لغة علمية عربية واحدة تستخدم في كل أقطار الوطن العربي، كما تعني توحيد طرائق التفكير لدى أبناء الأمة، ويجب أن يبقى حاضراً لدينا جميعاً أن وحدة الأمة الفكرية والثقافية ذات أهمية قصوى لا يعدلها أي شيء. "إن توحيد المصطلحات العلمية في العالم العربي خطوة قيِّمة نحو توحيد الجبهة الأدبية والاجتماعية والسعي للتفاهم، والاتفاق على أسماء المعلومات الحسية كالعلوم الطبية مثلاً مقدم بطبيعة الحال على تلك الملاحظات والمعلومات المعنوية الطليقة التي لا ضابط لها بل هو توطئة لها، لأن المعاني تستمد روحها من الموجودات الحسية عادة. وما هذا الشوق إلى توحيد الجبهة العلمية إلا بادرة من بوادر السعي لنكون في العالم العربي على صعيد واحد معنى ومبنى".(44).‏

ويرى البعض أن توحيد المصطلح أمر سهل ميسور وليس بحاجة إلى وضع أسس وقوانين من أجل تحقيقه، بل يجب ألا يعيقنا التوحيد عن البحث والاصطلاح، فعلينا أن نصطلح، وستسهم وسائل الإعلام في تحديد المصطلح المناسب لكل مفهوم وسيكون للاستخدام الدور الأهم في هذا المجال، وسيصل الناس إلى اتفاق حول المصطلح الأنسب أي "أن توحيد المصطلح سيبقى في الآخر، في جميع الأحوال رهناً باستعماله وتداوله، ولوسائل الإعلام والصحف والمجلات والكتب وسائر مواطن التداول الأخرى أعمق الأثر في ذلك. فالاستعمال وحده هو الذي ينخل ويغربل، ومن ثم يستبقي المصطلح الموحد بقانون البقاء للأقوى أو الأنسب". (45)‏

إن توحيد المصطلح العلمي رهن بما يكتبه أبناء الأمة من الأبحاث بلغتهم العربية وبما يقدمه العلماء من أفكار وآراء في مجالات مختلفة في الصحف والمجلات والمؤتمرات والندوات، كل ذلك يجعل توحيد المصطلح أمراً مفروضاً وقائماً، وكلما زاد نشر الأبحاث والكتب باللغة العربية زاد المصطلح ثباتاً وتوحيداً، وأصبحت عملية الاصطلاح ووضع المصطلح أمراً ميسوراً، وغدت مشكلة المصطلح ليست مشكلة ذات قيمة كبيرة، وأصبحت اللغة العربية ـ كما عهدناها ـ لغة علم وثقافة، بما فيها من مزايا وخصائص جعلتها قادرة على التغلب على مشكلة المصطلح والأقدر على وضعه وتوليده.‏

إن هذه الفوضى والتعددية التي نلمسها في المصطلح أمر طبيعي ناتج عن أمور مختلفة، فتعدد المصادر التي يعتمد عليها المترجمون سيقود إلى تعدد في المصطلح. أضف إلى ذلك أن الاجتهادات الفردية من المترجمين والمصطلحين تسهم بدور كبير في هذا التعدد الذي طغى على المصطلح العلمي في اللغة العربية، كما أن تعدد اللغات التي ينقل عنها أو يترجم منها يؤدي إلى التباين والاختلاف في فهم المصطلح، إضافة إلى أمر هام يؤدي إلى اختلاف المصطلح هو عدم إيمان كثير من الباحثين بوحدة الأمة العربية، وحرص بعضهم على النعرة الإقليمية الضيقة التي تؤدي إلى تمزيق الأمة قبل تمزيق المصطلحات وتعددها، وهذا الفهم وضيق الأفق دفع بهم إلى إهمال ما قام به زملاؤهم في الأقطار الأخرى، والتنكر لما قدموه من أبحاث وما اصطلحوا عليه من مفاهيم. وقد أدى هذا الإعراض وعدم الاطلاع على ما عند الآخرين من أبناء الأمة إلى ما يمكن أن يسمى بالقطيعة العلمية وعدم التواصل بين أفراد الأمة، ويعتبر أحد الباحثين أن أولى المشكلات التي يعاني منها المصطلح "كثرة المصطلحات التي تطلق على الشيء الواحد، ويعود هذا التعدد إلى عدم اطلاع الباحثين العرب على أبحاث زملائهم الآخرين، ولا أعفي نعرة القطرية وأثرها في الغض من شأن المصطلحات التي لا تصاغ في قطر الباحث المعين، وقد سبب عدم التواصل العلمي عدم شيوع بعض المصطلحات العلمية الدقيقة وشيوع مصطلحات أخرى أقل دقة"(46).‏

وقد يكون هذا الانقطاع والتباعد بين أبناء الأمة ناتجاً عن غير قصد، أو ربما كان قصوراً في وسائل الإعلام، فكثير من المصطلحات التي توضع في المغرب مثلاً لا يعرفها علماء العراق، وكثير مما يصطلح عليه في العراق يجهله باحثو اليمن مثلاً، ويعزى هذا إلى عدم التواصل العلمي والفكري والثقافي بين أقاليم الوطن العربي، فيقوم كل قطر بإعادة تلك المصطلحات التي وضعت في القطر الآخر، من هنا فإن غياب التواصل والتنسيق بين المؤسسات العلمية العربية له دور كبير وهام في عملية تعدد المصطلح.‏

كما أن الجهود الفردية وعدم معرفة هذا المؤلِّفُ أو ذاك للعربية الفصحى يترتب عليه عدم مقدرته على وضع المصطلح الفصيح المناسب لهذا المفهوم أو ذاك، وقد يلجأ هذا المؤلِّفُ إلى لهجته فيأخذ المقابل منها، يقول القاسمي: "المعجمي أو المؤلف قد لا يعثر على مقابل بالعربية الفصحى لأحد المصطلحات فيضطر إلى استعمال مقابل من لهجته الإقليمية، وقد يكون هذا المقابل غير مفهوم للناطقين باللهجات الأخرى، لأن الكلمات العامية لا تتمتع بالثبات الدلالي النسبي الذي تتميز به نظيرتها الفصحى، فالكلمات العامية تختلف مدلولاتها من مكان لآخر ومن زمان لآخر بصورة أسرع وأكبر".(47) وإذا اضطر هذا المعجمي أو المؤلف إلى استعمال مقابل للمصطلح من لهجته الإقليمية، فإن مؤلفاً آخر أو معجمياً آخر يضطر إلى استعمال مقابل المصطلح نفسه من لهجته الإقليمية كذلك، وقد يضطر ثالث ورابع، وينتج عن ذلك "الاضطرار" وجود مترادفات لهجية للمصطلح الواحد، وهذا يعني مزيداً من التجزئة والتشرذم، إضافة إلى ازدياد الاعتماد على اللهجات المحلية التي ربما أصبحت هي اللغات العلمية، وهذا يعني هزيمة نكراء للفصحى.‏

وقد يرى الباحث أن اللجوء إلى اللهجات المحلية في اختيار مقابلات للمفاهيم المستجدة خطر على اللغة العربية الفصحى، وخطر على اللغة العلمية العربية التي ننشدها، إن "اشتغال كل قطر من ناحيته دون أن تكون بين العاملين رابطة أورثتنا ألفاظاً متعددة للشيء الواحد، فنجد في كتب مصر المدرسية "البندول" وفي سوريا " النواس" وفي الأردن "الرقاص" وفي لبنان "الخطار" وأمثالها لأشياء أخرى كثيرة مما جعل قراءة كتب مصر في لبنان مربكة، وكذلك كتب لبنان في العراق وهكذا. ولاحاجة للقول بأن النتيجة الحتمية لهذا الوضع هي صعوبة التفاهم باللغة العربية بين المثقفين في المؤتمرات العلمية، أو حينما يراد القيام بعمل علمي مشترك بينهم، ولذلك تراهم يستعينون بالألفاظ الأجنبية أحياناً إذا ما أرادوا دقة التعبير فيما اختلفت في تسميته".(48)‏

كما يرى الباحث أنّ إحياء الألفاظ العربية الميتة لهذا الغرض خير من اللهجات الإقليمية، وهو ما لجأت إليه اللغات الأوروبية كواحد من المصادر التي أمدتها بما يحتاج إليه من المصطلحات، يقول عبد الصبور شاهين: "وربما كانت الطريقة التي حققت للمصطلح العلمي الأوروبي استقلاله هي لجوء العلماء إلى اللغات الميتة، فأغاروا عليها إغارة عنيفة يشتقون منها، ويفسدون فيها، ويحددون لألفاظها معاني لم يقل بها أحد من أهلها... وبذلك ثبت أن وجود اللغات الميتة ضروري لقيام المصطلحات، وذلك أنهم استطاعوا أن يفسدوا فيها ما يشاؤون وأن يحددوا معانيها ويوسعوا فيها ما يشاؤون ويزيدوا فيها وينقصوا، وهو ما لا يمكن عمله في اللغات الحية....... ولولا هذا الكنز من اللغات الميتة لما وسعت الإنجليزية ولا غيرها من اللغات الأوروبية حاجات التعبير عن مفاهيم الحضارة ومنجزات العلم وكشوف البحث الحديث".(49)‏

كما أنه يمكن القول إن اللغة العربية تحتوي على طاقة كامنة من الألفاظ تنتج عن تقليب الألفاظ على الطريقة التي رآها الخليل بن أحمد وتابعه فيها ابن جني وأسماها الاشتقاق الكبير، فيمكن استغلال هذه الطاقة الكامنة في تغطية كثير من المفاهيم التي يعجز العلماء عن إيجاد مقابل لها في العربية المستخدمة، ولعل استخدام هذه الوسيلة من إحياء للألفاظ، وتقليب للصيغ أفضل من انتقاء الألفاظ من اللهجات المحلية التي تقود في النهاية إلى وجود ترادف في المصطلح، كما تقود إلى تكريس اللهجات المحلية والارتقاء بها تدريجياً لتصبح كل لهجة محلية لغة علمية للإقليم الذي يستخدمها، وهو ما يؤدي إلى تفتيت الأمة العربية إلى أمم بعد تفتيت لغتها الفصيحة إلى لغات يقرها العرف الإقليمي ويراها هي القادرة على مواكبة العلم والحضارة.‏

ومن أسباب فوضى المصطلح، اختلاف المدارس التي نأخذ منها دون النظر إلى منهجية كل مدرسة من المدارس التي نتعامل معها أو نأخذ منها، فهناك مدارس يغلب عليها الطابع النفسي، وأخرى يغلب عليها الطابع الاجتماعي، وثالثة تلح على الجانب المعنوي الوظيفي، كل هذا ينعكس سلباً على توحيد المصطلح، لأن دلالة كل مصطلح تختلف باختلاف المدرسة التي ينتسب إليها أو الشخص الذي قدمه فمن الطبيعي "أن تنشأ فوضى في مجال المصطلح لتعدد المصادر التي اعتمد عليها المترجمون من ناحية، والاجتهاد الفردي خارج الإطار العلمي المؤسس من ناحية ثانية".(50)‏

إضافة إلى ذلك يسهم مايمكن أن نطلق عليه نقص الإحالة في زيادة الفوضى التي يعيشها المصطلح والغموض الذي يلفه، فنحن الآن في بداية وضع علم المصطلح، ونأخذ المفاهيم العلمية والفنية والتقنية من أكثر من مصدر مما يترتب عليه تسميات متعددة للشيء الواحد، فجدير بنا والحالة هذه أن نشير إلى المدرسة التي أخذنا المصطلح عنها، وجدير بنا أيضاً أن نذكر تعريفاً موجزاً له، وما المقصود به، من أجل تحديد مفهوم دقيق واضح له يساعد في معرفته عند الذين يتناولونه من مدارس أو لغات أخرى.‏

ومن أسباب فوضى المصطلح أيضاً، أسباب تتعلق باللغات التي نأخذ منها، فنحن أكثر ما نأخذ عن الإنجليزية والفرنسية، ولكل لغة ألفاظها ومفاهيمها التي يفهمها أهلها، هذه الألفاظ تختلف من لغة إلى أخرى، وهذه المفاهيم تختلف من أمة إلى أخرى، سيترتب عليها مفاهيم متباينة عندنا، يترجمها علماؤنا كل حسب فهمه، إضافة إلى ذلك فإن الفوضى والتعددية للمصطلح قد تنتج حتى لو كان الأخذ من لغة واحدة كما هو الحال بالنسبة للإنجليزية فهناك إنجليزية بريطانيا، وإنجليزية أمريكا، ولكل من هاتين الإنجليزيتين ألفاظ ومفاهيم خاصة بها، تختلف عما ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهر السوسن
عضو شرف
عضو شرف
زهر السوسن

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
879

نقاط :
1493

تاريخ التسجيل :
17/10/2012


طلب عاجل  Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب عاجل    طلب عاجل  I_icon_minitime2012-11-17, 12:36

ولكل من هاتين الإنجليزيتين ألفاظ ومفاهيم خاصة بها، تختلف عما عند الأخرى من ألفاظ ومفاهيم، مما يترتب عليه اختلاف في المفاهيم يؤدي إلى اختلاف في المصطلح عند العلماء الذين أخذوا عن الإنجليزية البريطانية والعلماء الذين أخذوا عن إنجليزية أمريكا.‏

أسباب تتعلق بالمُصْطَلِح "ثقافة الناقل":‏

إن عملية الاصطلاح ليست عملية سهلة يمكن أن يقوم بها كل من أراد ذلك، فعملية وضع المصطلح يمكن أن يُعبَّرَ عنها بأنها عملية وضع لغة علمية تتطلب الكثير من الدقة والوضوح، خالية من كل لبس أو خفاء، بعيدة كل البعد عن الاحتمالية، لذا يجب على كل من نَصَّبَ نفسه للإسهام في بناء اللغة العلمية أن يكون متخصصاً في أحد فروع المعرفة، متمكناً من تخصصه، عالماً بكل دقائقه وخفاياه، كما يجب أن يكون صاحب خبرات متعددة واطلاع واسع، متقناً للغته الأم إتقاناً تاماً، مُلِمَّاً بكل أساليبها، عارفاً بكل قواعدها وقوانينها، حتى يتمكن من التصرف في ألفاظها وتراكيبها بسهولة ويسر، وتكون لديه القدرة على اختيار أنسب الألفاظ التي تدل على المفهوم المراد دلالة واضحة دقيقة محددة، وتحدد كل أبعاده واحتمالاته حتى يكون بعيداً عن اللبس المؤدي إلى الاجتهاد والتأويل، إذ لا مجال لمثل هذا في المصطلح الذي يجب أن يكون قوي الدلالة واضحها، محدد الأبعاد، لا يمكن حمله على غير ما وضع له. لأن المصطلح هو "الحد أو الخط المعين للحدود، فهو يمثل حقلاً يمكن العمل في نطاق حدوده ضماناً لعدم التشتت والضياع"(51). حتى يمكنه فهم المراد من هذا اللفظ أو ذاك. أو هذا التركيب أو ذاك "فلا يكفي المترجم أن يبحث عن مرادف عربي لكلمة إنجليزية مثلاً ويستقر على أنها هي المطلوب فثمة "ظلال المعاني" التي لا يفسرها القاموس لكن النص والسياق هما العون على النحت والاشتقاق عندما يخرج المعنى عن حدود المعجمية(52). وأن يكون قادراً على مناغاة الفكرة التي أرادها المؤلف الذي يترجم له. ويميز بين المعاني المتقاربة والألفاظ المترادفة، قادراً على استحضار المفاهيم والمدلولات المتقاربة، ويدرسها دراسة متأنية فاحصة في وقت واحد، أي أن يجمع كل المعاني المتقاربة علمياً ويصطلح عليها معاً، لأن اجتماع هذه المدلولات معاً يسهل عملية اختيار اللفظ الأكثر مطابقة لكل مفهوم منها، ويضمن سلامة الاصطلاح ودقته، فيضع اللفظ المناسب إزاء المفهوم المناسب "إن مبدأ دراسة المدلولات المتقاربة" أو المصطلحات الأجنبية المتقاربة المدلول" جملة، ومن ثَمَّ وضع المصطلحات العربية لها، بدلاً من وضع مصطلح عربي لكل مدلول أو مصطلح أجنبي بصورة مستقلة ومن غير دراسة المدلولات أو المصطلحات المقاربة له لهو من المبادئ التي كثيراً ما يفوت واضعي المصطلحات الاهتمام لها والأخذ بها فيسبب تجاهلها الغموض واللبس في الأقل إن لم يؤد إلى الخطأ في التعبير".(53)‏

إن الالتزام بهذه الأمور من قِبَلِ واضع المصطلح أمر هام يجب عدم التساهل فيه، لأن ذلك يعطي الفرصة لكثير ممن هم غير جديرين بهذا الأمر للاجتهاد الذي يترتب عليه الخطأ أو عدم الدقة أو الاختيارات التي تؤدي إلى ظهور ألفاظ لا نصيب لها من الصحة، والتي تثقل اللغة بلا فائدة، لذا "يلزم لواضعي المصطلحات إتقان لغتين فضلاً عن التخصص العلمي...... ولقد كان عدم إيفاء هذه الناحية حقها من الاهتمام، أو التساهل فيها، سبباً في تفشي كثير من المصطلحات المغلوطة والاختيارات غير الموفّقة أو إدخال ألفاظ كثيرة من الدخيل على لغتنا مما لم يكن داع لإدخاله".(54)‏

ليس هذا فحسب، بل إن على واضع المصطلح أن يكون مطلعاً اطلاعاً واسعاً على ثقافات أخرى لها صلة بثقافة اللغتين "اللغة الأم واللغة التي سيأخذ عنها"، لأن هذا الاطلاع يزيد من خبرته ويصقل مواهبه ويوسع أفقه ودائرة معرفته، كل ذلك يكسبه الثقة في النفس والمقدرة على العمل الجاد الدؤوب، وكذلك التمييز بين المفاهيم المختلفة، مما يساعده علىوضع المصطلح الأصوب. إن سعة الثقافة وكثرة الاطلاع تجعل المرء أكثر مقدرة على استيعاب قضايا العلوم والفنون، وتخلق منه شخصاً قادراً على المقارنات بين الثقافات المختلفة التي تمكنه من فهم دقيق لكل النظريات والآراء، مما يُجهِّزه بقدرة فائقة على التفكير السليم والإبداع العلمي والاصطلاح على المفاهيم والمدلولات التي تقابله.‏

كما يجب على الناقل أن يكون صادقاً أميناً فيما يضع من مصطلحات، مُلماً بمادته العلمية قادراً على استكناه كل مفاهيمها والتفريق بين كل جزئياتها. وأن لا يقوم بوضع المصطلح إلا من كان مختصاً لأن "المصطلح لغة خاصة" "Jargon" أو معجم قطاعي يسهم في تشييد بنائه ورواجه أهل الاختصاص في قطاع معرفي معين، ولذلك استغلق فهمه واستعماله على كل من ليس له دراية بالعلم الذي هو أداة لإبلاغه"(55)‏

إن الانتماء القومي أمر هام في عملية الاصطلاح، لأن هذا الانتماء يعني الحرص على مكتسبات هذه الأمة ومُقَدِّراتها الثقافية والعلمية، ويدفع باتجاه الصدق في النهوض باللغة العربية من أجل أن تصبح لغة علمية قادرة على استيعاب مصطلحات العلوم والثقافة والتقنية والفنون، يفاخر أبناؤها بها بدلاً من التنكر لها والحط من شأنها، ومحاولة التخلص منها واستبدال اللغات الأخرى بها، إن مثل هذا الانتماء يخلق روح التوحد والتوحيد لدى المثقفين العرب ويُفَوِّتُ الفرصة على أولئك الفئويين أو الإقليميين أو دعاة الإقليميات الضيقة الذين لا يفتؤون يعملون على تمزيق أمتنا وتدمير لغتها.‏

إن الإيمان بالوحدة العربية، يسهم إسهاماً كبيراً في إنجاح عملية التعريب والاصطلاح، ولعل السبب في عدم إنجاز عملية التعريب ـ رغم الجهود المخلصة المبذولة في هذا المجال ـ وفي المشكلات المصطلحية عند العرب ناتج عن عدم الإيمان أو الاقتناع بالوحدة العربية، وأن أبناء هذا الوطن العربي الواحد هم أمة واحدة ذات لغة واحدة وآمال واحدة، إن الإيمان بالمصير الواحد ونبذ كل فرقة أو طائفية يسهم في إنجاح هذه المهمة، ويدفع باتجاه نهوض الأمة وتطوير لغتها، ويقطع الطريق على دعاة الإقليمية البغيضة الذين يعملون ما بوسعهم لتكريس هذا الفهم، وربما كان هذا الفهم نابعاً من إعجابهم بالأمم الأخرى إعجاباً ملك عليهم الألباب حتى وصل إلى مركب النقص "عقدة الخواجة" التي تعيش في قلوب كثير من أبناء الأمة، وتعشعش في عقول كثير من علمائها، وإذا أردنا النجاح في هذه المعركة فلابد من العمل على إعادة الثقة إلى نفوس هؤلاء، وعلى ترسيخ المفاهيم الوحدوية، وعلى نبذ كل مايدعو إلى التفرقة، أي علينا أن نُعرِّبَ الثقافة والفكر لكي يكون الإنتاج العلمي عربياً وباللغة العربية، بهذا نصبح مبدعين مبتكرين، نصطلح على ما ننتجه ونخترعه، ونُعَرِّبَ جوانب حياتنا، كما يقول خير الدين حقي: "نحن أحوج ما نكون إلى تعريب الفكر قبل تعريب اللسان، أو كما قال أحد الزملاء بصيغة أدق: بحاجة إلى تعريب الضمير قبل تعريب اللسان".(56)‏

كما أن من أسباب فوضى المصطلح وعدم استقراره، عدم استخدام المصطلح في الحياة العلمية والثقافية الاجتماعية فرواج المصطلح وتَقَبُّله رهن باستخدامه، فإن عزف الناس عن استخدامه كُتب له الفشل، وسبب عدم استخدامه ينتج عن عدم تعريب العلوم والفنون في الجامعات والمعاهد والمؤسسات العربية باستثناء الجامعات في القطر السوري.‏

يوضع المصطلح بعد جهد ليس بالقليل ليدل على مفهوم معين لكنه لا يجد من يستخدمه، لأن عدم تعريب التعليم العالي يدفع طلاب الجامعات ومدرسيهم إلى استحسان اللفظ الأجنبي واستخدامه ويصبح لا حاجة لكل ما هو عربي في التعليم، فلا يجد الطالب ضرورة لاستخدام اللفظ العربي كما لا يجد حرجاً من استخدام اللفظ الأجنبي، وبالتالي لن يصل الاستخدام إلى تلك المصطلحات التي تم الاتفاق عليها، وتبقى قابعة في بطون المعاجم والكتب تنشد من يستخدمها ولا مجيب، فلا يفيد منها أحد ولا يتصل بها عامة الناس، فإذا كان المختصون لا يستخدمون هذه المصطلحات فكيف بغيرهم؟.. لذا فإن نجاح عملية الاصطلاح رهن بالتعريب الشامل لكل مراحل التعليم في الوطن العربي. وقد خلقت حالة عدم التعريب هذه قناعه لدى معظم الفئة النخبوية بأن استخدام اللفظ الأجنبي أفضل بكثير من استخدام المصطلح العربي، ذلك أن اللفظ الأجنبي ـ في رأيهم ـ يدل دلالة واضحة محددة على المفهوم المقصود، وهي دلالة لا يمكن الحصول عليها باستخدام لفظ عربي بدل اللفظ الأجنبي. ولابد من القول إنّ هذه القناعة وذلك الفهم لدى تلك الفئة لا تمت إلى الحقيقة أو الواقع بأية صلة، بل هي قناع يعمي الأبصار ويصم الآذان.‏

إن استخدام لغة غير اللغة العربية في قاعات الدرس في جامعاتنا ومعاهدنا جريمة كبرى في حق الأمة، لأن ذلك يؤدي إلى قناعة لدى طلابنا بعدم صلاحية اللغة العربية للعلم، وعدم مقدرتها على مواكبة العلوم والفنون والتعبير عنها، وهذا بدوره يضعف ثقة الطلاب بلغتهم العربية، ويقرُّ في عقولهم أنها سر تخلفنا وانحطاطنا الفكري والعلمي، ويوصلهم إلى قناعة تامة بضرورة التخلص منها والاستغناء عنها. وهذا ـ إذا تحقق ـ يعني قطعاً لكل أواصر التواصل بين أفراد الأمة العربية، أنه هدم للأمة كلها لتصبح أُمماً متناحرة، كل أمة منها تسير في ركب أمة أجنبية اتصلت بها برباط اللغة الجديدة التي استبدلها بالعربية.‏

وبعد، فإنه واضح تماماً أن سر تخلفنا في وضع المصطلحات العلمية المطلوبة نابع من أسباب تتعلق بنا نحن أهل اللغة، لا باللغة نفسها، فاللغة خير أداة للتعبير، وهي قادرة على التعبير عن كل ما يستجد من أمور الحياة، وهذا ما أقرته لجنة اليونسكو "التي اعتمدت تجارب أنجزت في بلدان كثيرة، وقررت أنه لا عائق يعوق لغة معينة لتعبر عن الحضارة الحديثة، فإذا كانت هذه اللغة الأم قادرة على أن تكون أداة للتعليم العالي والتقني، فإنه ينبغي استخدامها لهذا الغرض بعد الاحتياط كله لتنسيق المصطلحات العلمية"(57). فعلينا أن نعيد الثقة إلى نفوس المترددين من علمائنا وكتابنا بمقدرة العربية على توفير المصطلحات العلمية والفنية والتقنية كغيرها من لغات العالم، كما علينا أن ننمي هذه الثقة في نفوس أجيالنا ونشجعهم على الكتابة باللغة العربية في كل موضوعات المعرفة الإنسانية، وأن نبرز الخصائص والمزايا التي تختص بها اللغة العربية كالاشتقاق والتوليد والتحديث والنحت وغيرها، وأن نوضح أهمية كل مزية من هذه المزايا والدور التي قامت به في العصور السابقة. كما يجب أن نوضح لهم أنه ليس بالضرورة أن يتلمس العالم أو الباحث مناسبة بين مصطلح الأجنبي وما يقابله بالعربية لأن ذلك سيؤدي إلى التردد والاضطراب، والاختلاف بين العلماء لأن كل شخص يفهم الفكرة كما يراها فعليهم أن يضعوا مقابلاً لذلك المصطلح كما وضعت الكلمات من أجل أن تكون رموز الأشياء، تدل عليها دون مناسبة بين الاسم والمسمى.‏

وقد تمكن العرب في القديم من وضع مصطلحات تناظر المصطلحات الأعجمية، وتمكنوا من ابتكار الكثير من المصطلحات الأخرى، ولم تنعدم محاولات الاصطلاح في العصر الحديث، فالمصطلح رهن بالتخيل والإبداع والابتكار، فإذا أطلقنا العنان لعقولنا، أمكننا أن نبتكر ما ينقصنا من المصطلحات دون خوف أو تردد، وإذا تصفحنا بعض الصحف والمجلات أمكننا أن نضع أيدينا على كثير من المصطلحات التي وضعها العلماء والموهوبون لكثير من المسميات الأجنبية، كما نجد كثيراً من المصطلحات العفوية الوضع التي أسهم في وضعها جمهور الناس، فقد اصطلح الجمهور على نوع من التبغ "السجاير" الإنجليزية يسمى Caraven A فوضعوا لها اسم "أبو بس" لأنها تحمل على غلافها صورة للقط، كما اصطلحوا على نوع آخر من السجاير يسمى Playrs فوضعوا له اسم "أبو دقن" لأنه يحمل على غلافه صورة رجل أجنبي يرتدي قبعة، كما أطلقوا على سيارة مرسيدس اسم خنزيرة حيناً وشبح حيناً آخر، كما نجد كثيراً من الألفاظ الاصطلاحية تسيل على أقلام الكتاب والصحفيين، فقد أطلقوا على ثورة الشعب الفلسطيني اسم "انتفاضة" وربما كان لخيال أحد الكتاب الدور الأساسي في هذه التسمية إذا رأى في هبة هذا الشعب من أجل الدفاع عن أرضه ومقدساته تحركاً وارتعاداً شديدين فاهتدى إلى تلك التسمية. كما أطلقوا على عمليات المقاومة الفلسطينية التي يقوم فيها الفرد بتفجير نفسه اسم "العمليات الاستشهادية" لأن منفذها قام بها طلباً للشهادة في سبيل الله والوطن. ومن ذلك أيضاً كلمة "تصعيد" التي أصبحت تدل على زيادة المقاومة أو زيادة القمع من العدو. كما يطلق على تلك المنشآت التي بناها العدو على أرض فلسطين اسم "المستوطنات أو المغتصبات" لأنها أماكن أقيمت من أجل استيطان اليهود والقادمين من دول العالم، والمغتصبات لأن العدو اغتصبها من أهلها الشرعيين. وكذلك "الطرق الالتفافية" لتلك الطرق التي فتحها العدو من أجل أن توصل بين مستوطناته دون المرور بالبلدات والمدن الفلسطينية.‏

من هنا ومن كل ما سبق يمكن القول إن اللغة العربية تملك من المزايا والخصائص ما يمكنها من السيطرة على جوانب الاصطلاح، شريطة أن يعمل العلماء والمفكرون على حلّ كل المشكلات التي تعترض طريق الاصطلاح، وتذليل كافة العقبات التي تحول دون إنجاح عملية الاصطلاح، هذه المشكلات والعقبات تتمثل ـ كما مر ـ في فوضى المصطلح، وغياب المنهجية الموحدة لوضع المصطلحات والملزمة لكل من أراد أن يمد يده إلى هذا العمل، كذلك اختلاف اللغات التي تترجم عنها أو ننقل منها والمدارس التي نتبنى آراءها ومنهجياتها، إضافة إلى ثقافة الناقل أو المُصْطَلِح التي تنعكس فيما يقدمه من مصطلحات، كل هذه الأمور عقبات كأداء تقف حائلاً دون تقدم المصطلح وتطوره في العالم العربي.‏

المصادر والمراجع‏

1 ـ إسماعيل، عز الدين: جدلية المصطلح الأدبي، مجلة علامات في النقد الأدبي ج8 مجلد 2 محرم 1414هـ 1993م.‏

2 ـ التهانوي، محمد علي الفاروقي، كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق: لطفي عبد البديع، المؤسسة المصرية 1963م.‏

3 ـ الجاحظ، عمرو بن بحر:‏

*البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، د.ت.‏

*الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة 1985م.‏

4 ـ جبر، يحيى عبد الرؤوف: المصطلح، مصادره ومشاكله وطرق توليده، مجلة اللسان العربي، العدد 36، 1413 هـ 1992م.‏

5 ـ حجازي، محمود فهمي: الأسس اللغوية لعلم المصطلح، مكتبة غريب، القاهرة، د.ت.‏

6 ـ حقي، عز الدين: وحدة المصطلح العلمي، مجلة اللسان العربي، العدد2، 1965م.‏

7 ـ الحمزاوي، محمد رشاد: المنهجية العامة لترجمة المصطلحات وتوحيدها وتنميطها، دار الغرب الإسلامي بيروت الطبعة الأولى 1986م.‏

8 ـ الخوارزمي، علي بن محمد علي السيد: مفاتيح العلوم، تحقيق: فان فلوتن 1985م.‏

9 ـ الزيدي، توفيق: تأسيس النقدية الاصطلاحية، مجلة علامات في النقد الأدبي، ج8 مجلد 2.‏

10 ـ شاهين، عبد الصبور: اللغة العربية لغة العلوم والتقنية، دار الإصلاح، الدمام، الطبعة الأولى 1983م.‏

11 ـ الشدياق، أحمد فارس: الجاسوس على القاموس. مطبعة الجوائب، القسطنطينية 1299هـ.‏

12 ـ الشنطي، محمد صالح: تقنيات السرد الروائي، فوضى المصطلح، مجلة علامات في النقد الأدبي ج8 مجلد 2.‏

13 ـ ابن فارس، أحمد بن الحسين: الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق: السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة.‏

14 ـ الفهري، عبد القادر الفاسي: اللسانيات واللغة العربية، منشورات عويدات، بيروت، الطبعة الأولى 1986م.‏

15 ـ القاسمي، علي:‏

*تخطيط السياسة اللغوية، مجلة اللسان العربي، العدد 23.‏

*مقدمة في علم المصطلح، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية 1987م.‏

16 ـ الكتاني، إدريس: دور اللغة في تنمية الطاقات البشرية وتجربة اللغات الأجنبية في البلدان الأفريقية، مجلة اللسان العربي المجلد العاشر، الجزء الأول.‏

17 ـ بن مراد، إبراهيم: دراسات في المعجم العربي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1987م.‏

18 ـ المزيني، حمزة قبلان: المشكل وغير المشكل: قضية المصطلح العلمي، مجلة علامات في النقد الأدبي، ج8، مجلد 2.‏

19 ـ المسدي، عبد السلام: المصطلح النقدي وآليات صياغته، مجلة علامات في النقد الأدبي ج8، مجلد 2.‏

20 ـ 19 ـ مصطفى، إبراهيم: المعجم الوسيط، دار إحياء التراث العربي، د.ت.‏

21 ـ الملائكة، جميل: المصطلح العلمي ووحدة التفكير، مجلة المجمع العلمي العراقي ج3، مجلد 34، تموز 1983م.‏

22 ـ الموسوي، مناف مهدي محمد: مباحث لغوية من حياة اللغة العربية، دار البلاغة للطباعة والنشر بيروت 1993م.‏

23 ـ النويري، محمد: واقع العلم وهواجس توحيد المصطلح، مجلة علامات في النقد الأدبي ج8، مجلد 2.‏

(*) جامعة الملك فيصل بالإحساء‏

(1) المصطلح النقدي، المسدي، مجلة علامات في النقد الأدبي، ج8، مجلد 2.‏

(2) مقدمة في علم المصطلح، القاسمي، 10 ـ 11.‏

(3) مباحث لغوية، الموسوي، 110.‏

(4) البيان والتبيين، الجاحظ، 1/ 139.‏

(5) الحيوان، الجاحظ، 1/ 348.‏

(6) مفتاح العلوم، الخوارزمي، 2 ـ 3.‏

(7) الصاحبي، ابن فارس، 7.‏

(8) المصدر نفسه، 33 ـ 34.‏

(9) كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي؛ 1 ـ 3.‏

(10) الجاسوس على القاموس، الشدياق، 437.‏

(11) المعجم الوسيط، مصطفى إبراهيم، مادة: صلح.‏

(12) الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، حجازي، 8.‏

(13) اللغة العربية لغة العلوم والتقنية، عبد الصبور شاهين، 119.‏

(14) المصدر نفسه، 118.‏

(15) الاصطلاح، مصادره ومشاكله، جبر، مجلة اللسان العربي، العدد 36، ص 143.‏

(16) تأسيس الاصطلاحية النقدية. الزيدي، مجلة علامات، ج8، مجلد 2، 179 ـ 180.‏

(17) الأسس اللغوية ، حجازي، 11 ـ 12.‏

(18) ترجمة المصطلحات، الحمزاوي، 12.‏

(19) ترجمة المصطلحات، الحمزاوي، 17.‏

(20) ترجمة المصطلحات، الحمزاوي، 20.‏

(21) ترجمة المصطلحات، الحمزاوي، 20.‏

(22) اللغة العربية ، شاهين، 78.‏

(23) المصطلح النقدي، المسدي، 57.‏

(24) ترجمة المصطلحات، الحمزاوي، 9.‏

(25) ترجمة المصطلحات، الحمزاوي، 17.‏

(26) اللسانيات واللغة العربية، الفهري،395.‏

(27) اللسانيات واللغة العربية، الفهري،394.‏

(28) واقع العلم وهواجس المصطلح، محمد النويري، مجلة علامات، ج8، مجلد 2/ 252.‏

(29) المشكل وغير المشكل، المزيني، محمد النويري، مجلة علامات، ج8، مجلد 2/15.‏

(30) اللغة العربية، شاهين، 135.‏

(31) المشكل وغير المشكل، المزيني، مجلة علامات، 8/2 ص14.‏

(32) اللسانيات واللغة العربية، 395.‏

(33) دراسات في المعجم العربي، بن مراد، 296 ـ 297.‏

(34) دراسات في المعجم العربي، بن مراد، 296 ـ 297.‏

(35) واقع العلم، النويري، 250.‏

(36) المشكل وغير المشكل، المزيني، مجلة علامات، 8/ 2 ص 15.‏

(37) جدلية المصطلح الأدبي، اسماعيل، مجلة علامات، 8/2/113.‏

(38) واقع العلم، النويري، 256.‏

(39) المشكل وغير المشكل، المزيني، مجلة علامات، 8/2/18.‏

(40) مقدمة في علم المصطلح، علي القاسمي، 37.‏

(41) تخطيط السياسة اللغوية، القاسمي، مجلة اللسان العربي، ع23/ 51.‏

(42) مقدمة في علم المصطلح، القاسمي، 76 ـ 77.‏

(43) واقع العلم، للنويري، 256.‏

(44) توحيد المصطلحات الطبية، الشهبندر، مجلة المقتطف، مج 76، ج5.‏

(45) المصطلح العلمي، الملائكة، مجلة المجمع العلمي العراقي، ج3، ص90.‏

(46) المشكل وغير المشكل، المزيني، 18.‏

(47) مقدمة في علم المصطلح، القاسمي، 73.‏

(48) وحدة المصطلح العلمي، حقي، مجلة اللسان العربي، 2/30.‏

(49) اللغة العربية، شاهين، 232.‏

(50) تقنيات السرد الروائي، الشنطي، مجلة علامات، 8/2/236.‏

(51) جدلية المصطلح، اسماعيل، 112.‏

(52) أزمة المصطلح النقدي، لؤلؤة، مجلة علامات، 8/2/ص 168.‏

(53) المصطلح العلمي، الملائكة، 94.‏

(54) المصطلح العلمي، الملائكة،92.‏

(55) اللسانيات واللغة العربية، الفهري، 396.‏

(56) وحدة المصطلح العلمي، حقي، 31.‏

(57) دور اللغة في تنمية الطاقات البشرية وتجربة اللغات الأجنبية في البلدان الإفريقية، إدريس الكتاني، مجلة اللسان العربي، المجلد 10، الجزء 1 / 39.‏
منقول مجلة التراث العربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

طلب عاجل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» طلب عاجل
» طلب عاجل
» طلب عاجل
» عاجل
» طلب عاجل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  الدراسات العليا :: طلبات المساعدة-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


طلب عاجل  561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
كتاب على بلال اللسانيات ظاهرة الأشياء الخيام الخطاب النحو العربية النص التداولية المعاصر اسماعيل العربي مبادئ البخاري محمد الحذف النقد ننجز موقاي مدخل قواعد مجلة اللغة


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | انشاء منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع