فراق
الأرض مادت وقطر البون يتسعُ *** قد هام أهلي بدرب الهلك واقتنعوا
والقلب أضحى نذيرًا صابه هلعٌ *** يعلي صدى الدف، والأقوام ما سمعوا
ما عاد ينفع أشطان وقد شطنوا *** عن نبع منجاتهم عمدًا فما رجعوا
إني ولدت معي قومي بقافلةٍ *** سيارة في لهيب الرمل نندفعُ
نسير كالظبي في بيداء هجرتنا *** نبغي القرار بخلدٍ ليس ينقطعُ
نسير شعثًا وجِعنا الصخر من دمنا *** لا ترتجي أملًا ما حاطه الوجعُ
أسلافنا وصلوا بالنزف قد رسموا *** في صفحة البيد خريتًا لمن تبعوا
قد ورَّثونا كتابًا فيه خارطة *** فيه مسالك من جازوا ومن وقعوا
نفزع إليه إذا ما همَّنا فزَعٌ *** من فرط هيبته يرتاع ذا الفزعُ
من فرط هيبته إن سار يَقْدُمُنا *** حبًا وخوفًا يخر السهل واليفعُ
وإن ظمئنا وبئر الماء يسفلنا *** فقال: سيروا، فليس القلب يمتنعُ
فالأرض سرٌ كتاب الغيب يشملُهُ *** وجاهل السرِّ بالأكمان ينخدعُ
والموت لا بد من طُعْمٍ يصيد به *** والآل برقٌ بقلب الغرِّ يندلعُ
قد غرَّ أهلي بريق النار فانحرفوا *** لتُحرق الفلكُ في الطوفان الشرعُ
قد مالوا عن الدرب في أدغال مفزعةٍ *** ظنوا العرين لعيش الأمن يتسعُ
وكم رجوت دموع العين تنقذهم *** فبددوها، وما في نعيهم دمعوا
إني طبعت بياض الفود خارطة *** فشب في الشعر شيب القلب ينطبعُ
درب النجاة به آثار من سلموا *** يا نعم لب بوعظ العين ينتفعُ
سبيلكم يرسف في أشلاء من سلكوا *** يا بؤس قومي بمأوى ذبحهم رتعوا
لم يغنِ عنهم كتابٌ خالفوه ولا *** لن ينفع الماء من ما عاد يبتلعُ
وقد بذلت لهم في نصحهم سعتي *** فما أطلُّوا لنصحي وما ارتدعوا
فسرت في الدرب لا ألوي لهم عنقي *** في الخلد قوم عن القرآن ما هجعوا
والأرض مادت وقطر البون يتسعُ *** قد هام أهلي بدرب الهلك واقتنعوا