منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارتسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الرحمن
مشرف عام
مشرف عام


وسام النشاط :
وسام النشاط

القيمة الأصلية

عدد المساهمات :
237

نقاط :
628

تاريخ التسجيل :
30/12/2009


تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا Empty
مُساهمةموضوع: تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا   تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا I_icon_minitime2012-05-04, 23:01

تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا
قصص شيمة الشمري أنموذجًا
عبد الدائم السلامي

I
«تلكَ الجميلةُ المُشرقةُ، بتفاصيلِها الجذّابةِ، وملامحِها الهادئةِ، أنجبت مؤخَّرًا فتاةً صغيرةً جدًّا لكنّها قاتلةٌ !» (أقواس الدهشة، ص 35)

II
في كلّ نصٍّ أدبيٍّ خروجٌ مّا عن مألوفٍ مّا. بل لعلّ نُضجَ النصّ الأدبيّ يُقاسُ دومًا بحجم المساحة التي يُحرِّرُها من أرضِ السياقات الفكريّةِ السائدةِ ليبسُطَ عليها نفوذَه اللغويَّ في إطار ما يُنشئُ فيه مُبدعُه من مؤسّساتٍ جماليّةٍ وأخلاقيَّةٍ ورمزيّةٍ جديدةٍ. وإنّ نصًّا تهدأ فيه حركةُ المخاتلةِ والمناورةِ والخَرْقِ المستمرِّ لنسيج التصوُّراتِ يظلّ نصًّا مطمئنًّا، والنصوصُ المطمئنّةُ كالزّبدِ، لن تصنعَ أسطورتَها مهما علَتْ ورَبَتْ، ولن تُعمِّرَ طويلاً مهما أُسْعِفَتْ بوافرِ الأسباب. ذلك أنّ الكتابةَ حدثٌ بشريٌّ نادرٌ يروم الاكتمالَ دومًا ويُخطئُه دائمًا، لأنّ الاكتمالَ فيه كَفٌّ عن المُساءلةِ من جهة كونها استدعاءً لحقِّ السؤال وكثرةً فيه، وكَفٌّ عن الشكِّ لكونه رحلةَ الإنسان إلى يقينه.
وفي رأينا أنّ لكلّ نصٍّ أدبيٍّ حقوقًا وواجباتٍ، فمن حقوق النصّ أن يُسائلَ بحُريّةٍ ما يشاءُ من عناصرِ واقعه الماديّةِ والرمزيّةِ، وأن يتخيَّرَ بوعيِه الخاصِّ فضاءَ المُساءلةِ وزمانَها، وأن يتوسَّلَ لها أدواتِ المجادلةِ الشكليّةَ والأسلوبيةَ المناسبةَ، وأن يُجرِّبَ غوايةَ الخروج على/ والخروجِ مِن. ومن أوكد واجباته أَلاَّ يُداهنَ القارئَ إشفاقًا أو نفاقًا، وأَلاَّ يتكفّل بمنحِه وجبةَ المعنى في كثيرٍ من الخضوعِ لسُلطةِ ذوقِه وأنظمةِ رغائبِه وحُشودِها، بل على النصِّ أن يرُجَّ في قارئِه سكينةَ قناعاته، وأن يُمكّنه من أسباب الحذرِ منها، وأن يعصف فيه باطمئنانه إلى الأشياء والمُتَصوَّراتِ، وأن ينزعَ عن يديه قُفّازيْه ليتحسَّسَ الجمرَ الذي يتوهّجُ في الألفاظ.
وإنّ أغلبَ ما يَسِمُ تاريخَ النصِّ الأدبيِّ هو الإدانةُ والمساءلةُ؛ إدانةُ كلِّ شيءٍ ومساءلةُ ما فيه من دعوةٍ إلى الدّعةِ والاطمئنان والسكينة سواء أكان مأتى ذلك مؤسّساتٍ دينيةً أم أنظمةً في السياسة والأخلاق والاجتماع واللغة. يفعل ذلك لأنّه يتغيَّا الحياةَ في حراكها الحُرِّ وتجدُّدِها المتحرِّرِ من أغلالِ السائدِ المُكَرَّسِ، ويروم معرفةَ سُبُلِ نزعِ الخوفِ منها حتى وإنْ أخطأها. وإذْ يقولُ النصُّ الأدبيُّ الإدانةَ، لا يجهرُ بها دائمًا، لأنه يخشى الانزياحَ من حيّزِ الأدبيّةِ إلى حيِّزِ الإسفافِ المُباشِرِ، فتراه يتفكَّرُها بصوتٍ مُناوِرٍ يطرقُ به أبوابَ تلك المؤسّسات والأنظمة ويَشْرَعُها وفقَ أساليبَ له فنيّةٍ تتكفّلُ بإنجاز مُساءلتِه لها داخل أفضيةِ القراءةِ المتنوّعة، وهو ما سنحاول تجليته في المجموعتيْن القصصيتيْن القصيرتيْن جدًّا: «ربّما غدا» و«أقواس ونوافذ» للكاتبة السعودية شيمة الشمري، وذلك من حيثُ طبيعةُ تعاطيهما مع المقدَّس الاجتماعيّ.

III
كِنَانةُ القصّة
لا نطمئنّ كثيرًا إلى القول بأنّ المقدّس يكتفي من واقع الإنسان بثلاث دوائر هي الدّين والجنس والسياسة ، لأنّ التجربة تُفيد بأنّ المقدَّسَ يبلغ قلبَ كثيرٍ من مكوّنات الواقع البشريّ الماديةِ والمعنويّةِ كوقائع التاريخ ومُدوّنات الثقافة والتراث وأساليب اللغة والعلائق الاجتماعيّة وأجناس الكتابة الأدبيّة وأساليبها. وهو نزوعٌ بشريٌّ إلى التعالي بجواهر بعضِ الأشياء والكائناتِ من مَحَلاّتها الطبيعيّةِ إلى مَحَلاّتِ الكَمالِ لتخليصها من سُلطةِ العاديّ والسائدِ. وفي ظنّنا أنّ الأدبَ يمثّلُ فضاءً مليئًا بأسبابِ ثِقَلِ المقدَّسِ الاجتماعيّ وهو يحكم رِقابَ السلوك البشريّ ويوجِّهُه، ومجالاً يمارسُ فيه الكاتبُ فنونَ تجاوُزِ السائدِ وخرقِه بشكلٍ واعٍ فيه اختبارٌ من المبدعِ لمدى قدرته على هدم صفاتِ المخلوقات التخييليّةِ عبر فعله التحويليِّ لدَلالاتها، تشترك في إنجازه عواملُ الثقافة وحالاتُ النّفس وظروفُ الواقع وأساليبُ اللغةِ. وهو أيضًا خرقٌ يشي بتوقِ الكاتبِ إلى امتلاك القدرةِ على التأثير في الأشياء وتعريةِ حقائقها ونقدها وتلوينِ كُنهِها بألوانه الذّاتيةِ التي تُترجمُها إبداعاتُه الأدبيّةُ. ذلك أنّه كلّما ثارَ في نصٍّ مّا شكٌّ مَّا في تيمةٍ من التيماتِ الحاكمةِ لعلائق الإنسان بمكوّنات مجتمعه، يفتحَ كنانةَ أسئلتِه لتندفع منها سهامُه شاكّةً جسدَ الظواهرِ، كاشفةً فيها عن مستغلقاتِها، فاضحةً لعُنفِ حقيقتها، داعيةً إلى تجاوزِها.
ومن ثمة يكون النصُّ المُبْدَعُ هو ذاك النصُّ المُبْدِعُ الذي يمارس المَحْوَ الدّائمَ، وفعلَ البِناءِ الدائمَ، والكشفَ المستمرَّ، والمُواجهة المُثابِرةَ ونفيَ كلِّ سُلطةٍ ليُقيمَ سُلطة تكشُّفِه، ويؤسّس مقدّسَه الجديدَ، بل إنّ النصَّ المبدِعَ هو الذي يُحرِّرُ المقدَّسَ الاجتماعيَّ من أغلالِ مفهومِه، ويحرّر الإنسانَ من أغلال طاعة ذاك المقدّس التي استنبتَتْها العقليّةُ الاجتماعيّةُ، وباركَها أعوانُها التقليديّون الذين «هيّأوا كلامَنا وجسدَنا للطاعة والخضوع، بما سمّوه علمًا وما سمّوه قِيَمًا وأخلاقًا، وما سمّوه حياةً وموتًا. لا، لم يُهيّئونا فقط، بل أسلمونا لعقيدةِ الامتثال، واشترطوها لوجودنا» .
وعلى هديٍ من هذا، نرى في القصّة القصيرة جدّا الجنسَ السرديَّ الذي يمتلك القدرةَ على اختراق أسيجةِ المقدَّسِ الاجتماعيِّ وهَتْكِها، وذلك من حيث طبيعةُ بنيتِها الشكليّةِ التي تُصيبُ جواهرَ الظواهر فلا تخطئُها من جهةِ قيامِها على الاقتصادِ في اللغة وعدمِ الترهّل فيها ما يُركِّزُ ذهنَ المتلقّي على موضوع القول، وكذلك من حيثُ بنيتُها الأسلوبيّةُ المُتّكئةُ على تقطيع الواقعِ إلى مشهدياتٍ محكيّةٍ كثيفة الترميزِ، تنصبُّ كلُّ واحدةٍ منها على عُنصرٍ من عناصر الواقع الاجتماعيّ لتفكِّكَ أوصالَه والمتصوَّراتِ العامّةَ التي تحميه عبر تعريةِ ما فيها من عُنفٍ يتزيّا إهاباتِ الأخلاق مرّةً وأرديةَ المُحرَّمِ أخرى، وينضافُ إلى هذا توفّر القصة القصيرة جدا على بنيةٍ فنيّةٍ تمزج طيَّها بين فنَّيْ العربيّةِ: الشعرِ والنّثر وتغرفُ من بَحْرَيْهما ما يؤسِّسُ فيها شعريةَ محمولاتها الحكائيّة.
وفي هذا الإطار، لا نعدِمُ انصبابَ القصة القصيرة جدا عندي شيمة الشمري على عجينةِ واقعها الاجتماعيّ وتوجيهها سهامَ النّقد إليها حتى متى أثْخنَتْها، عركتْ فيها هدأتَها المَقيتةَ وتجانُسَ عناصرِها المانعَ لفرادةِ النّاسِ في الأقوال والأحوالِ. وإذْ تفعل ذلك، نُلفيها تُعيدُ تشكيلَ العلائق الاجتماعيّة تشكيلاً فنيًّا جديدًا يضمنُ حريّةَ الفردِ وانميازَ حضورِه الشخصيِّ داخل أنظمةِ مجموعته البشريّةِ. ومن ثمة فإنّ قصص الكاتبةِ، في وُجوبِها الإبداعيِّ، تتخلّقُ بفعل ما تَعيش في تواصُلِها الاجتماعيِّ مع الآخرين من اختلالٍ في التوازنِ بين رغبتِه في تحقيقِ خصوصيّةِ وجودها وبين رغائبِ المجتمع في توحيدِ أحوالِ أفراده وتحقيق الانسجامِ بينهم. وعلى حبلِ هذه الرغائبِ، تُعلِّقُ الكاتبةُ خوفَ إنسانِها من انصبابِ أَلْسُنِ الواقع عليه بعُنفِ مقولاتِها كلّما جرّبَ مُخالفتَها، وطمعَه في انتهاكِها بأداةِ اللغةِ وإصابةِ المقتَلِ منها، حتى يُعيدَ إليه توازُنَه الأرضيَّ ويتنفّسَ أنفاسَ الحريّةِ على غرار ما تُفصحُ عنه قصّة (هدوء):
«يختبئُ الخوفُ في طُرقاتِ روحِها، حاولت اقتناصَ لحظةِ صفاءٍ وشفافيةٍ... لاكتْها ألسُنُ السّخطِ... اختبأتْ... دسَّتْ نفسَها بين صفحاتِ دفتَرِها... فهناك فقط تتنفَّسُ... »
وهو ما يُجيزُ لنا القولَ إنّ القصة القصيرة جدا عند شيمة الشمري تمارسُ القتل الفنيَّ الرّحيمَ لكلّ ما اهترأ من بِنْياتِ الواقع الاجتماعيّ التي تجلوها سلوكاتُ الناسِ وتُنبئُ بها مضامينُ رؤيتِهم لعناصرِه، حتى لكأنّ القصّة، على حدِّ توصيفِ الكاتبةِ لها، هي « تلكَ الجميلةُ المُشرقةُ، بتفاصيلِها الجذّابةِ، وملامحِها الهادئةِ، [التي] أنجبت مؤخَّرًا فتاةً صغيرةً جدًّا لكنّها قاتلةٌ ! » .

IV
المقدَّسُ الاجتماعيُّ مَحْكيًّا
لن نُركّزَ في هذا المستوى على بحثِ علاقة الأدب، ومنه القصّة، بمرجعه الاجتماعيِّ، فقد أُشبعت هذه الموضوعةُ بكثير من التفصيل ضمن دراسات قيّمةٍ، وإنّما وَكْدُنا هو النّظر في كيفيّة تعاطي القصّة القصيرة جدًّا، بمَيْزاتِها الفنية والدَّلاليّة، مع ظاهرة المقدّس داخل سياقه الاجتماعيّ. وسنستأنسُ في ذلك بمقاربة دوركايم E. Durkheim (1858-1917) التي خَصَّ بها المُقدّسَ في فاعليته الاجتماعية وبَيَّنَ ضمنها أشراطَ حضوره لدى الفرد ولدى الجماعة. فقد انتبه هذا الباحث إلى أنّ المنعَ هو الذي يحمي المقدّس ويعزله عن كلّ ما هو مدنّس ويُسيِّجه بحاجز غامض يبقيه بعيدا عن أيدي المنتهكِين عبر مجموعة من النواهي السلوكية مثل عبارات «لا تفعلْ» و«اِخلعْ حذاءَك» و«ممنوع» و«حذارِ» وغيرها ممّا يكتظّ به سجلّ التواصل الاجتماعيّ. ويذهب إلى القول بأنّ المقدّس اجتماعيٌّ بالضرورةِ، فهو يظلّ محتاجا دوما إلى مُصادقة الجماعة عليه ليستحقّ صفتَه عبر إخضاعه لسَنَنِها القِيَمِيِّ الذي يُعيّن وظائف الأشياء وينتظم السلوكاتِ الجماعيّةَ ويُعيِّرُها. وعليه، تنهض المجموعةُ الاجتماعية مؤسّسةً تحكم حركةَ المقدّس فيها بما يحقّقُ أفقَ انتظاراتها من العيشِ المشترك ويحافظ على كيانها المُوحَّد، ويضمن للمقدَّس استمراريتَه واستمراريّةَ اشتغال أدواته المنتجة للرمز. ويؤكّد دوركايم على أنّ هيمنة سلطة المجتمع على سلطة المقدّس هي التي تجعل حضورَه خاضعا لأحكام المنظومات التي تستنبته في أفكار الناس وسلوكاتهم، ذلك أنّ «الأشياء المقدّسة لا تعني فقط الكائنات الشخصية التي تُسمَّى الآلهة أو الأرواح، فالصخرة والنبع والحصاة وقطعة الخشب والمنزل، وبصورة عامّة، كلّ شيء يمكن أن يكون مقدّسا» . وهو ما يعني أنّ القداسة في الفهم الدوركايمي لا توجد في طبيعة الأشياء، بل هي في النظرة الاجتماعية التي يصبغها الإنسان على تلك الأشياء، لأنّ «ما يمنح قداسة شيءٍ مّا هو الشعور الجماعي الذي ينصبُّ عليه» . ذلك أنّ المجتمع هو الذي يهب الأشياءَ قداستَها، ويتمّ ذلك عبر شحنها بالحسّ الجماعيّ المشترك وما يضمّ من عادات وأعرافٍ وعواطف جمعيّة إزاء كلّ ما يخدم المصلحة العامّة عبر التأليف بين هذه المكوّنات وفقا لقوانين العقلية الاجتماعية السائدة. ولا نرى في تأكيد دوركايم على ثنائيّة «الفرديّ» و»الجماعيّ» في مقاربته للمقدّس إلاّ سعيًا منه إلى استنبات المقدّس في صميم الفعل الجماعيّ، فمهما تجلّت قداسة الأشياء لدى الفرد، تبقى دومًا منقوصة الصفة ما لم توافق عليها الجماعة البشريّة التي ينتمي إليها. لكأنّ المقدّس لا يكون إلاّ جماعيًّا اجتماعيًا بالضرورة، وذلك بعيدا عن كلّ فكرة تنزاح بأصوله نحو كلّ ما هو متعالٍ خفيٍّ، وعليه «يظلّ مفهوم المقدّس ذا أصل اجتماعيّ ولا يمكن أن يُفسَّرَ إلاّ اجتماعيًّا» .
وظاهر من خلال هذا الشاهد تركيز دوركايم على مفارقة الأشياء المقدّسة لطبيعتها الأولى ذات الأصل الدّيني لتحوزَ على طبيعة ثانية ذات عجينة واقعيّة اجتماعيّة، ومن ثمة كانت الإشارة إلى أنّ «التمييز ببين الأشياء المقدّسة والأشياء المدنّسة هو دوما مستقلّ عن فكرة الإلاه» . ولعلّ في هذه الاستقلاليّة ما يشي بسعي دوركايم إلى التأكيد على إعادة الاعتبار لكينونة الإنسان وتثمين فاعليته في التعاطي مع عناصر الواقع وذلك بإخراج مقدَّساته من دائرة الغيبيّ والفلسفيّ وتأصيلها في تربتها الاجتماعية بما يجيز القول بقداسة الكائن البشريّ، لأنّ «من المبادئ الأساسيّة في منظومتنا الأخلاقيّة، بل المبدأ الأساس فيها، هو أن الإنسان كائن مقدَّس بامتياز، وذلك لأن له الحقّ في أن يكون مُحترَمًا كما يحترم المؤمنُ، في كلّ الديانات، إلاهَه» . وإنّ ما يميّز نظرة دوركايم إلى المقدّس هو قوله بأنّ الإنسان ومجموعته الاجتماعيّة هما اللذان يصنعان المقدّس، بل هما العنصران اللذان يحضر فيهما المقدّس ويتسامى بهما من مرتبة الوجود العاديّ إلى مرتبة القداسة.
ولكنّ دوركايم لم يُفصِّل في بحثه القيِّمِ مسألةَ سعيِ أحدِ المُقدَّسَيْن، الفرديِّ أو الجماعيِّ، إلى إلغاء الآخر وانتهاكه أو تدجينِه، وهو ما نسمّيه صراع المقدَّسيْن. ونعتقدُ أنّ على أرضِ هذا الصِّراعِ نبتتْ موضوعاتُ قصص شيمة الشمري القصيرة جدّا في مجموعتيْها المذكورتيْن سابقًا، ومثّلت البابَ الخلفيَّ الذي دلفت منه الكاتبةُ إلى مؤسّسة المقدَّسِ الاجتماعيّ لتُمعِنَ فيها سؤالَها إحاطةً بأسبابِها وكشفًا لمستورِها على غرار ما نقرأ في قصّة (سواد):
«تجمعنَ صُدفةً .. أثريْنَ الجلسةَ بعطرِ الثقافةِ، وهمسِ الشعرِ، ونورِ المعرفةِ...
أثَرْنَ الجدلَ... أشارتْ إليهن الأصابعُ السوداءُ...
هاجموهنَ بتهمةِ مُتَحرِّراتٍ !!! »
وفي رأينا أنّ عنوانَ القصّة (سواد) يضعنا في مواجهةٍ مع مفهوم القتامةِ التي تصبغ الأشياءَ والحالاتِ وتُدثِّرُها بجلبابِها، وهي قتامةٌ تقتل فيها تنوُّعَها، وتُخرجها من حالِ التواجد الحرِّ المائزِ إلى وضعِ التواجد المُشترَكِ المُوَحَّدِ المحكومِ دومًا بأشراطِ الامتثال للمصلحة العامّةِ وما تفرضه من ضرورةِ تذويب الفردِ في الجماعةِ وانصياعِه لأوامرها بل وتَطْقيسِها. حيث تختفي هُويّةُ الفردِ التي تمنح الحياة ألوانَها، لتُفسِحَ في المجال لهُويّةٍ عامّةٍ يسوسُها فعلُ التنميطِ وما يتبطّنُ من مَوَاتٍ عامٍّ قاتمٍ. ولكنّ إحالاتِ السواد لا تكتفي باللّون فقط، بل تتعدّاه في القصّة لتَنْسحبَ على العَدَدِ أيضًا من جهةِ الكثرةِ فيه، فمنْ حهةٍ، تُشيرُ عبارةُ «الأصابعُ السوداءُ» إلى تعدُّدِ الموصوفاتِ واتحادِها في سوداويّةِ الرؤيةِ وفي فعل إدانةِ كلِّ ما/مَنْ يخرجُ عن لونِها الفكريّ أو الأخلاقيّ المألوف، وتُفيدُ من جهةٍ أخرى العُمومَ، لأنّ أعظمَ السوادِ العامّةُ، والعامّةُ هي التي لا تقدرُ على التخلُّصِ من أحكامِها المُسبقةِ ومن تصوُّراتها الثابتةِ للوجودِ الجمعيِّ، ويُسيِّرُها في الغالبِ فكرُ القطيعِ وتتعشّقُ الإقامةَ في الماضي. ولا نعدم في هذه القصّة اتكاءَ الكاتبة على تقنية المُقابلَةِ لإدانةِ بعضِ المحظور الاجتماعيِّ والسخريّةِ منه في آنٍ، وصورةُ ذلك ما نُلفي فيها من تقابُلٍ بين «نور المعرفةِ»، من جهة كونه كاشِفًا عن رغائب التحرُّرِ من كلّ ما اهترأ من منظومات الوجودِ الاجتماعيّ، وبين سوادِ «الأصابعُ السوداء» من جهة أحالتها على المألوف والسائدِ. وهو تقابُلٌ يتحوّل فيه تعاطي المرأة للفعل الثقافيِّ من حال التحضُّرِ والانفتاح على منتجات الفكر والإبداعِ إلى سببٍ للإدانةِ والاتهامِ والدّونيةِ. ويبلغ رفض الكاتبة لهذه المظاهر الاجتماعية مبلغَ السخرية منها عندما تجري تحويلاتٍ دَلاليّةً على بعض المصطلحات على غرار تحويلِها الإقامة في الحاضرِ بما فيه من فعلٍ ثقافيٍّ ونور معرفيّ وانفتاحٍ على مجلوباتِ الفكر البشريّ إلى تُهمةٍ يُعاقِبُ عليها أحكامُ الشارعِ الاجتماعيِّ التي تنهضُ على كثيرٍ من الزَّجْرِ والتوبيخِ لكلِّ مَنْ يُخالِفُ سَنَنَها ويتخارجُ عنه. ولعلّ في عنفِ هذا السَّنَنِ الراعي لنَمَطٍ معيَّنٍ من التواصل بين الناسِ، خاصّة منه ذاك الذي يكون بين الذّكرِ والأنثى، ما يدفع الكاتبةَ إلى رفضِ نمطِ تعاطي المرأةِ مع واقعها المعيش، إذْ في تصويرِ ضعفِها وسلبيتِها، تدعوها إلى التمكّن من وسائل الدِّفاعِ الذّاتيِّ بما يُقوّي فيها عزائمَها على نِسْيان ألمِها ومواصلةِ رحلةِ البحث عمّا يمنعُ انتهاكَ أحلامِها في ابتناءِ كينونةٍ لها قائمة على الاحترام لا على الامتثال، وهي ما تشي به قصّة (ألم):
« تقَوْقعتْ حول نفسِها بعد أن أوسَعها زجْرًا وتوبيخًا... لملمتْ شَتاتَ كرامتِها المتناثرةِ... جفَّفتْ دُموعَها... أخفتْ وَجَعَها، وارَتْهُ خلفَ سِتارةِ النِّسيانِ، لتبدَأ رحلةَ ألمٍ جديدةٍ... »
وبناءً على هذا، يجوزُ القولُ إنّ قصص شيمة الشمري ليست إلاّ مساءلةً لوظيفة المؤسّسات التقليدية الحاضنة للمقدّس الاجتماعيّ وتصوُّرات الفاعلين فيه عن الكون وكيفيات الوجود فيه، ورفعًا لما فيها من أوهام من أجل استنبات معنى أصيلٍ للوجود البشريّ الحُرِّ، وذلك في إطار مواجهة بين سعيِ الذّاتِ إلى تخيُّرِ شكلِ تواجدها الماديّ والمعنويّ وبين إكراهِ منظومات العالم الخارجيّ الأخلاقِية. ولعلّنا نُلفي في قصّة (الحريّة) تصويرًا لرغبتيْن اجتماعيتيْن تلمّانِ بالكائن البشريِّ وهو يواجه مصيرَه: واحدةٍ تدفعُ به إلى نُشدانِ الحياةِ في سمُوِّها وتعالي دَلالاتِها وجِدّتِها، وأخرى تشدُّه إلى أرضِ مألوفاتِه ودونيةِ وجودِه فيها:
«أحسستُ بماءٍ ساخنٍ ينسكبُ في أحشائي... تخلَّلَ كلَّ جزءٍ من جسدي... سرعان ما تحوّل إلى برودةٍ تقمّصتْني... فجأةً شعرتُ بخِفّةٍ مكّنتني من الطيران... ارتفعتُ وأنا أحمل شعورًا جديدًا وغريبًا!
كانوا هناك في الأسفلِ يبكون حريّتي! »
وغيرُ خافٍ، في هذا الإطار، تكفُّلُ الجملةِ الأخيرة من هذه القصّة بالإنباءِ عن محمولِها القَضويِّ عبر فعلِ التكثيفِ اللغويِّ، إذْ عوّلت شيمة الشمري على بلاغةِ إيجاز القول وعلى طاقته الإيحائيّة لتعقدَ مجموعةً من المقابلاتِ الفنيّةِ وتتخذها سبيلاً إلى رسمِ مشهديّةٍ واحدةٍ تُفصِحُ فيها عمّا كنّا ذكرنا من أمرِ اختلاف الرغائب الاجتماعيّة في نمط الوجود داخل الحكايةِ، حيث ينهضُ المجتمعُ (كانوا) ضديدًا للفردِ (ضمير المتكلّم) ويُقابل مكانُ جمع الغائب (هناك في الأسفل) مكانَ الفرد (ارتفعتُ: الأعلى) وتُعاكسُ حالُ المحكيِّ عنهم (يبكون) حال المتكلّم (وأنا أحمل شعورًا جديدًا)، ويُضادُّ مطلبُ الجماعةِ (الرضى والسكون والدّونية) مطلبَ الفردِ (حرّيتي)، ويقوم ماضي هذه الجماعةِ (كانوا) ضدًّا لحاضر الفردِ (أحسستُ: الآن). وهي مقابلاتٌ نجحت الكاتبةُ في استحضارِها جميعًا في جملةٍ واحدةٍ دون إحداثِ فوضى في الدّلالة الكليّة للقصّة، بل هي كشفت فيها عن تعويلِها على «ذكاءِ» الجملة في القصة القصيرة جدّا في تكثيفِ المعنى وانصبابِه دفعةً واحدةً على المتلقّي، وعن نزوعِها إلى استغلال منطِقِ اللغةِ التركيبيِّ لتحقيق ما رامت للحكايةِ من إنشاءات تخييليّةٍ يتصارع داخلَها المقدَّسُ الذّاتيُّ مع المقدَّسِ الجماعيِّ، وتفضحُ فيها اطمئنانَ أفرادِ مجموعتِها البشريّةِ إلى واقعهم وتدعوهم إلى ضرورة خرقِ عالَمِ الدعةِ والاستكانةِ والانفعاليةِ الدّنيا الذي يلفُّهم ويقتلُ فيهم فاعليتَهم في تصنيع شكلِ الوجود الذّاتيّ وثراءِ مدلولاته. ومن ثمّة نُلفي إصرارَ قصص شيمة الشمري على التحرُّرِ من وظيفةِ «الحامل الأمين» للظواهر الاجتماعية لتُسهم بآلياتها الشكليةِ والدَّلاليّةِ في تكشُّفِ طبيعةِ تلك الظواهر ووظائفِها المقيِّدة لحركةِ الفردِ في بيئته الاجتماعية، بل هي تفكِّكها أحيانًا كثيرةً لتقف منها موقف الرفض والإدانةِ. وهو ما يجعل كلّ قصّة من قصص الكاتبة سَفرًا إلى مناطق المحظورِ وتوغُّلاً في مساحات الممنوعِ ومجاوزَةً لبُعْدِ الاطمئنانِ للوجودِ كما تتجلّى عناصرُه، بل هي فعلٌ قَلِقٌ، يتّكئُ على السؤالِ والكشف والسخرية سُبلاً إلى بلوغِ جواهرِ الأشياء والعلائقِ الاجتماعيّةِ وكشفِ ما فيها من نفاقٍ على حدِّ ما نُلفي في قصّة (رياء):
«هذا ينظرُ إليَّ بحِقدٍ...
وتلكَ ترمُقُني باشمئزازٍ... وثالِثٌ يكيلُ لي التُّهمَ...
وآخرون يجتهدون في حياكةِ مكائدَ تليقُ بي...
في يومٍ قادمٍ...
سأموتُ...
وسيكتُبُ هؤلاء فيَّ المراثي...
وستنتشرُ صُورُهم بجانبِ صُوَري وهم يبكون فَقْدي!
مقالاتُهم ودعواتُهم ستُمطرُ قبري أيامًا وشهورًا بالرِّياءِ!»
والأظهرُ من انصبابِ قصص شيمة الشمري على تفاصيل واقعها، هو طبيعةُ تلك التحويلات المفهوميّة التي يُجريها نصُّها الإبداعيُّ على المقدَّسِ الاجتماعيِّ ذاته، على اعتبارِ أنّ الإبداعَ يعني «القدرة على تركيب نصٍّ مُغايِرٍ يخترق الجاهزَ المُغلقَ المُستبدَّ» ، وبناءً على هذا، نُلفي قصص الكاتبةِ تُمارسُ المَحْوَ الدّائمَ، وفعلَ البِناءِ الدائمَ، والكشفَ المستمرَّ، والمُواجهة المُثابِرةَ ونفيَ سُلطةِ السائدِ لتُقيمَ سُلطة أخلاقِها الشخصيّة، وتُؤسّس لمقدّسها الجديد الذي يحترم حريات الفرد في اختياراته الفكريّة، وفي أحوالِ وجوده داخل الجماعةِ. بل إنّنا نقف في نصوصِها على رغبةٍ في تحريرِ المقدَّسِ الاجتماعيِّ من أغلالِ مفهومِه المألوفِ الذي استنبتَتْه له العقليّةُ الاجتماعيّةُ ووزّعت به الناسَ إلى فئتيْن: واحدةٍ ملتزمةٍ بالسَّنَنِ الأخلاقيِّ الذي يحرسُه أعوانٌ تقليديون «هيّأوا كلامَنا وجسدَنا للطاعة والخضوع، بما سمّوه علمًا وما سمّوه قِيَمًا وأخلاقًا، وما سمّوه حياةً وموتًا. لا، لم يُهيّئونا فقط، بل أسلمونا لعقيدةِ الامتثال، واشترطوها لوجودنا» ، وفئة ثانيةٍ يُنظرُ إليها على كونها مارقةً عن ذاك السَّنَنِ كافرةً به. لا بل إنّ قصص شيمة الشمري تُعارِضُ تعالي مؤسّسةِ المقدّس الاجتماعي وتسعى إلى إنزالِها إلى الأرض وتمكينِ الإنسان من مخالطتها تحليلاً لبنيتِها وتأويلاً لمضامينِها الأخلاقيّةِ وذلك رغبةً في تجاوزها بما يمنحُ الفردَ الوعيَ بذاته ويحرِّرُه من سجونِ التماهي الزائف مع الآخَرِ ومن عبوديّة وحدةِ الوجودِ الجماعيِّ المشترَكِ القائم على نظامٍ تصوُّري نازعٍ دومًا إلى تهجين الفردِ وتذويبِه في مرجلِ جماعته الاجتماعيّةِ تحت لزوميات الأخلاق الحميدة التي تكتظُّ بها مُدوّنةُ القِيَمِ الجماعيّةِ على حدِّ ما ذكر دوركايم ونجد له صدًى في قصّة (هو وهم):
«عاد، بعد غُربةٍ دامت سنواتٍ، إلى وطنه الغالي...
بعد أسابيع شاهده أحدُ جيرانه وهو يحملُ حقائبَه مُغادِرًا!!
سأله: إلى أين؟
رَدَّ: إلى حيث كنتُ، لأكون أنا «أنا»، لا «أنتَ وهم»...!!»
فالقصّةُ، وهي تبحثُ في علاقةِ الفردِ بالوطن، تسعى إلى تقويضِ مفهوم الوطن التقليديّ من جهة قداسته «الاجتماعيَّةِ» التي يلتزمُ الفردُ ضمنَها بمجموعةٍ من الواجباتِ والأوامر المُملاةِ عليه بفضل انتمائه الجغرافيِّ ويُطالَبُ باحترامِها حتى يَحْتازَ صفةَ المُواطن، دونما نظرٌ في أشراطِ تلك الصفةِ وما إذا كان تحقيقُها يستهدفُ منه حرّيتَه الشخصيّةَ ويفرضُ عليه الاغترابَ عن ذاتِه ويُفْقِده خصوصيتَه داخل مجموعةِ المُواطنينَ. ومن ثمّة تنهضُ الإقامةُ في الوطن غربةً عن الذّاتِ، ويصيرُ الاغترابُ عنه مُعادِلاً دَلاليًّا للعودة إلى الذّات والإقامة فيها، فالوطنُ في قصّة شيمة الشمري ليس الجغرافيا المعلومة بثباتِ جبالِها وأحوالِها، وإنّما هو الفضاء الأرضيُّ الذي تتكشَّفُ فيه رَغبةُ الإنسان في أن يكون وفقَ ما يُريدُ، لا وفقَ ما يُرادُ له أن يكون عليه، بل ليس الوطنُ سوى الحُريّةِ، وبخلافِ ذلك تنزرع الـ(خيبة) في المُواطن وتَضيق عليه أنفاسُه لأنّ الحريّة ليست شعورًا فقط، بل هي تجربةٌ لا تنمو غلالُها داخل الأسوارِ:
«تجاوزَ السُّورَ... ابتعدَ عنه مسافاتٍ طويلةً... تنفَّسَ بعُمقٍٍ... شَعَرَ بحُريتهِ الغائبةِ... نظرَ إلى الوراءِ ... امتقعَ لونهُ ... كانت الأسوارُ تتقدَّمُ نحوهُ، وتحاصرهُ من شَتَّى الاتجاهاتِ !!!»

V
نخلصُ ممّا مرّ معنا إلى تقرير أنّ قصص شيمة الشمري القصيرة جدا تنهضُ في فضاءً تخيليًّا يتصارع فيه وعليه مُقدَّسان: اجتماعيٌّ يرومُ إخضاعَ الناسِ إلى سلطتِه ويدفعُ بهم إلى تكريسه وتطقيسه، وشخصيٌّ نازعٌ دومًا إلى عدم الامتثال للأوّل والتمرّد على السائد من السلوك والأفكار والأحوالِ. وعلى مدار هذا الصراع نقف على انتصارِ الكاتبة للمقدّس الشخصيّ من جهة قيامِه على مطلب الحريّةِ الفرديّةِ التي تعتبرها السبيلَ الوحيدةَ لتأسيسِ وعيٍ مجتمعيٍّ يقطعُ مع كلّ مظاهر تغوُّلِ العقليّة الاجتماعيّة في نِظرتها المُتحجِّرةِ للأفرادِ ولأدوارهم الثقافيّة، ويُعلنُ حقَّ الفردِ في تخيُّرِ أنماطِ حضورِه داخل مجموعته البشريّة دون إكراهاتها. ولا نعدمُ في هذا الإطار اندراجَ قصص شيمة الشمري في حركةِ التجديد المجتمعيّ التي يشهدها المجتمع السعوديّ منذ سنواتٍ، حيث نُلفيها تلتقطُ من واقعها المعيش مادّةَ قصصها، وتعوّل على طاقة الإيحاء في القصة القصيرة جدا وإمكاناتها في استغلال الكناية والاستعارةِ لنقضِ مجموعةٍ من المفاهيم الاجتماعيّة المتحكِّمةِ في أعناقِ العلائق بين الناسِ. وإذْ تخرقُ قدامةَ تلك المفاهيم وقتامتَها، عبر تحويلاتها الرمزيّةِ، تدعو إلى تأسيس أخرى جديدةٍ صورتُها حريّةُ الفردِ الضامنةُ لتحرُّرِ الجماعةِ من فوضاها القِيَميّةِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  القصة القصيرة جداً
» أثر السياق في فهم الإحالة في القصة القرآنية
» قصة طالب نجح والورقة فاضية
» قصة أحتاج مساعدتكم في إيجاد عنوان لها
» القصة في القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللسانيات النظرية :: تحليل الخطاب و لسانيات النص-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


تسْريدُ المُقدَّسِ في القصة القصيرة جدا 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
العربي العربية على الحذف النحو قواعد اللغة الخطاب ننجز مدخل مبادئ موقاي اللسانيات المعاصر بلال النقد اسماعيل الخيام البخاري كتاب محمد الأشياء التداولية ظاهرة مجلة النص


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع