منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك النقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة النقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة النقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارالنقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 النقد الدنيوي ادوارد ســـــــعيد ترجمة : عبد الكريم محفوض

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد صغير نبيل
عضو شرف
عضو شرف
محمد صغير نبيل

وسام النشاط :
وسام النشاط

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
204

نقاط :
476

تاريخ التسجيل :
16/05/2010

الموقع :
الجزائر


النقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  Empty
مُساهمةموضوع: النقد الدنيوي ادوارد ســـــــعيد ترجمة : عبد الكريم محفوض    النقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  I_icon_minitime2011-02-21, 23:46

النقد الدنيوي
إن ممارسة النقد في هذه الأيام تتخذ لها أربعة أشكال رئيسية. فالأول: هو النقد العملي الذي نجده في مراجعة الكتب وفي الصحافة الأدبية. والثاني هو التاريخ الأدبي الأكاديمي الذي ينحدر إلينا من الاختصاصات التي كانت قائمة في القرن التاسع عشر كدراسة الأدب الكلاسيكي والفيلولوجيا وتاريخ الحضارة. والثالث: هو التقويم والتأويل من زاوية أدبية، وعلى الرغم من أن هذا الشكل بالأساس عمل أكاديمي فإنّه، على نقيض سلفيه، ليس مقصوراً على المحترفين وعلى أولئك الكتاب الذين يبرزون من حين إلى آخر. فالتقويم هو الشيء الذي يعلّمه ويمارسه أساتذة الأدب في الجامعة مع العلم أن المستفيدين منه بأبسط المعاني هم كل تلك الملايين من الناس ممن تعلموا في الصف كيفية قراءة قصيدة، وكيفية الاستمتاع بالتعقيد الذي تنطوي عليه فكرة ميتافيزيقية، وكيفية وجوب تصورهم أن للأدب واللغة الرمزية ثمة سمات فريدة يستحيل تقليصها إلى موعظة أخلاقية أو سياسية بسيطة. وأما الشكل الرابع فهو “النظرية الأدبية” التي هي بمثابة مضمار جديد نسبياً. فهذه النظرية برزت كميدان لافت للنظر بالنسبة للبحث الأكاديمي والشعبي في الولايات المتحدة في وقت لا حق لبروزها في أوربا: فأناس كوالتر بينيامين والفتى جورج لوكاش، مثلاً، قاما بعملهما النظر في باكورات سنوات هذا القرن، كما كتبا بلهجة معروفة ولو أنها مثار جدل على أوسع نطاق.ولكن النظرية الأدبية لم تبلغ مرحلة النضج، على الرغم من الدراسات الريادية التي أنجزها كانيث بيرك قبل الحرب العالمية الثانية بزمن طويل، إلا في عقد السبعينات (1970) وذلك من جراء الاهتمام المتعمد الملحوظ بالنماذج الأوربية السباقة (من أمثال البنيوية ودلالات الألفاظ والتفكيك).
فالمقالات المجموعة ضمن هذا الكتاب تستمد وجودها من هذه الأشكال الأربعة كلها، حتى لو كان ميداناً مراجعة الكتب في الصحف والتقويم الأدبي في الصف بعيدين البعد كله عن التمثيل المباشر هنا. ولكن واقع الحال يتجسد في أن الجهود الحثيثة التي بذلتها طيلة اثني عشر عاماً (1969-1981) في كتابة هذه المقالات ساقتني للتعامل مع كل الأنواع الأربعة التي تتألف منها الممارسة النقدية الأدبية. وذلك بالطبع شيء عادي جداً، وصحيح قوله أيضاً عن معظم نقاد الأدب في هذه الأيام. ولئن كانت هنالك من مساهمة يساهم بها ما دعوته في هذا الكتاب بالنقد أو الوعي النقدي، فهي محاولة تخطي حدود الأشكال الأربعة كما جاء تحديدها أعلاه. وإن هذا الجهد ليسم (إن لم يسم نجاحه) العمل النقدي الذي تضطلع بعبِّئه هذه المقالات كما يسم، فضلاً عن ذلك الأعمال والاصطلاحات التي تدين المقالات بوجودها لها.
إن الوضع السائد في النقد الآن قد بلغ الحد الذي جعل كل شكل من الأشكال الأربعة يمثل بحد ذاته تخصصاً (على الرغم من نشوز النظرية الأدبية بعض الشيء) وميداناً محدداً جداً من ميادين الجهد الفكري. وإن من المفروض، علاوة على ذلك، أن يوجد الأدب وكل الدراسات الإنسانية في صميم الثقافة(أو ثقافتنا كما يقال عنها في بعض الأحيان)، وأن تحظى الثقافة، من خلالهما، بشرف السمو والتعزيز، وأن تبقى ممارسة الثقافة الرفيعة ذات الحظوة الرسمية هامشية أيضاً حيال الهموم السياسية الخطيرة التي يعيشها المجتمع -ولاسيما في تلك النسخة الثقافية التي يغرسها في الأذهان المثقفون المحترفون والنقاد الأدبيون.
وهذا الواقع أدى إلى قيام عبادة الخبرة الاحترافية ذات الأثر المخزي على العموم. فالخبرة كانت، بالنسبة لطبقة أهل الفكر، خدمة تسري، لابل وتباع، للسلطة المركزية في المجتمع بشكل عادي. وهذه هي خيانة الكتبة المأمورين “Trahison des clercs” التي تحدث عنها جوليان بيندا في العشرينات. فالخبرة في الشؤون الخارجية، على سبيل المثال، كانت في العادة تعني إضفاء مسحة الشرعية على مسلك السياسة الخارجية، لا بل والأقرب إلى الصواب أن نقول أنها كانت استثماراً مطولاً لإعادة تعزيز دور الخبراء في الشؤون الخارجية. وإن مثل هذا القول الصحيح عن نقاد الأدب والكتاب الإنسانيين المحترفين، عدا أن خبرتهم قائمة على أساس عدم التدخل فيما دعاه فيكو بمنتهى الروعة بعالم الأمم - أي ذلك العالم الذي يمكن دعوته أيضاً، بمنتهى البساطة، "بالعالم أو الدنيا". فنحن نقول لتلاميذنا وعموم جماهيرنا بأننا ندافع عن الآداب الكلاسيكية، مفخرة الثقافةالليبرالية ودرر الأدب النفيسة، حتى في الوقت الذي نكشف فيه عن أنفسنا بأننا صامتون (ولربما عاجزون) حيال العالم التاريخي والاجتماعي الذي تحدث فيه كل هذه الأشياء.
إن المدى الذي يصل إليه الطلاق بين مؤسسة الميدان الثقافي وخبرته وبين صلاتهما الحقيقية. بمؤسسة السلطة قد تجلى لي على أوضح مايكون من خلال حديث مع صديق جامعي قديم كان يعمل في وزارة الدفاع لفترة من الزمن خلال حرب فيتنام، فوقتها كان القصف على أشده، وكنت أحاول بكل سذاجة أن أفهم نوعية ذلك الشخص الذي كان بمقدوره أن يأمر يومياً طائرات (ب -52) بإلقاء القنابل على بلدآسيوي بعيد بحجة المصلحة الأمريكية في الدفاع عن الحرية وإيقاف المد الشيوعي. "ياصاحبي"، قال صديقي: "إن الوزير كائن بشري عديد المكونات: فهو لا ينطبق على الصورة التي ربما حملتها في ذهنك عن السفاح الامبريالي المتوحش. إذ في المرة الأخيرة التي كنت فيها بمكتبه شاهدت على طاولته رواية (الرباعية الاسكندرانية) لدوريل. ومن ثم توقف عن الحديث بكل مكر وكأنه كان يريد أن يترك لوجود تلك الرواية على الطاولة أن يعود وحده علي بتأثيره البغيض. ولكن المغزى الأدهى لحكاية صديقي كان مفاده أنه مامن إنسان قرأ رواية ما، واستعذبها على أرجح الظن، كان بوسعه أن يكون ذلك السفاك المتوحش الذي قد يتصوره المرء.
وبعد مضي عدة سنوات تخطر على بالي هذه النادرة التي تتقاذفها كلها الشكوك (وأنا لم أعد أتذكر رد فعلي على ذلك الربط المبهم بين دوريل وبين إصدار الأوامر بالقصف في الستينات)، وتقع علي وقع الصاعقة كونها الشيء النموذجي عما يحدث بالفعل على أرض الواقع: فالكتاب إنسانيون والمفكرون يقبلون الفكرة التي مفادها أن بمقدورك أن تقرأ أحسن القصص وأن تقتل وتشوه البشر في آن واحد معاً لأن باب العالم الثقافي مفتوح على مصراعيه أمام ذلك النوع الخاص من التعمية، ولأن الأنواع الثقافية ليس من المفروض أن تتدخل في تلك الأمور التي لا تصادق المنظومة الاجتماعية على تدخلها بها. وإن الشيء الذي ينجلي من تلك النادرة هو الفصل المستحب بين البيروقراطي الرفيع المقام وبين قارئ الروايات ذوات القيمة المشكوك بها والمكانة المحددة.
وخلال أواخر الستينات (1960) طرحت نفسها النظرية الأدبية بمزاعم جديدة. فالجذور الفكرية للنظرية الأدبية في أوربا كانت طافحة بالتمرد، وهذا عين الصواب على ما أظن...
إن الجامعة التقليدية وهيمنة الحتمية والوضعية وتجسيد الإيديولوجيا البورجوازية "للمنزع الإنساني"، والحواجز الصارمة بين الاختصاصات الأكاديمية. كلها جعلت النظرية الأدبية تطرح نفسها على أنّها ردود أفعال عنيفة على كل هذه الأمور التي عملت على ترابط الأسلاف النافذين للمنظّر الأدبي الحالي من أمثال سوسور ولوكاش وباتيل وليفي شتراوس وفرويد ونيتشه وماركس. لقد طرحت نفسها تلك النظرية بأنها مركب يعتزم الإطاحة بكل الإقطاعات الصغيرة في قلب عالم الإنتاج الفكري، وكان الأمل المنشود البيّن أن من الممكن، بالنتيجة، توحيد كل ميادين النشاط البشري، فضلاً عن المعاش معها كوحدة.
ولكن ثمة شيء طرأ، ولربما بشكل لا مناص منه، فالنظرية الأدبية الأمريكية انكفأت من حركة تدخلية جاسرة عبر تخوم التخصص في أواخر السبعينات ودخلت في تيه "النصّية" وهي تجر معها أحداث رواد النصية الثورية الأوربية كديريدا وفوكو اللذين كانا يدأبان، هما نفساهما، بمنتهى الأسف، على تشجيع تقديس تلك النظرية للأشياء وصقلها عبر الأطلسي. وهكذا فليس من المبالغة في شيء أن نقول بأن النظرية الأدبية الأمريكية، أو حتى الأوربية، صارت تتقبل الآن مبدأ عدم التدخل وبلا أي تحفظ، وبأن طريقتها الخاصة في اقتناص موضوعها (وفق صيغة آلثوسر) لا تعني أبداً اقتناص أي شيء دنيوي أو ظرفي أو ملوث اجتماعياً.
وهكذا صارت النصية بمثابة النقيض الحقيقي لما يمكن دعوته بالتاريخ بعد تنحيته جانباً والحلول محله. فالرأي الذي يعتبر أن النصية صار لها وجود لرأي صائب، بيد أنها وبالطريقة نفسها لم تبرز في أي مكان محدد أو في أي زمان معين. إنها استنبات، ولكن لا بفعل أي إنسان على الإطلاق، ولا في أي زمان بتاتاً. وإن من الممكن قراءتها وتأويلها، غير أن من المفهوم روتينياً أن القراءة والتأويل يحدثان على نحو مغلوط، وهكذا فإن من الممكن تحديد لائحة الأمثلة إلى مالا نهاية، ولكن بيت القصيد يبقى على ماهو عليه. فالنظرية الأدبية، بالشكل الذي تدري فيه ممارستها اليوم في الأكاديمية الأمريكية، عزلت النصية في أغلب الأحوال عن الظروف والأحداث والحواس الجسدية التي جعلت منها شيئاً ممكناً، وأحالتها إلى شيء واضح جراء اعتبارها نتيجة للعمل البشري.
فحتى لو قبلنا (كما أقبل أساساً أنا) الأدلة التي طرحها هيدان وايت - ومنها أنّه مامن سبيل قط لتجاوز النصوص ابتغاء وعي التاريخ "الحقيقي" بشكل مباشر -فإن من الممكن أيضاً أن نقول أن مثل هذا الادعاء يجب ألا ينسخ الاهتمام بتلك الأحداث والظروف التي نجمت عن النصوص نفسها والتي عبرت عنها النصوص. وإن تلك الأحداث والظروف ماهي إلا نصية أيضاً (فكل روايات وحكايات كونراد تقريباً تطرح لنا وضعاً - من مثل زمرة من الأصدقاء ممن يجلسون علىمتن سفينة ويستمعون إلى حكاية ما -يفضي إلى السرد الذي يشكل النص)، فضلاً عن أن الكثير مما يدور في النصوص يلمح إلى النصوص في الوقت نفسه، أي يتقرب بنفسه منها على نحو مباشر. فموقفي هو القول بأن النصوص دنيوية، وهي أحداث إلى حد ما، وهي فوق كل هذا وذاك قسط من العالم الاجتماعي والحياة البشرية، وقسط بالتأكيد من اللحظات التاريخية التي احتلت مكانها فيها وفسرتها حتى حين يبدو عليها التنكر لذلك كله.
إن النظرية الأدبية، نظرية اليسار أو اليمين سواء بسواء، قد أدارت ظهرها لكل هذه الأشياء. وهذا الموقف يمكن اعتباره، كما أرى، انتصاراً لأخلاق الاحترافية. ولكن ليس من المصادفة في شيء أن يقترن بروز فلسفة أضيق مما ينبغي، أي فلسفة النصية البحتة وعدم التدخل النقدي، مع سطوح نجم الريغانية( )، أو بعبارة أخرى، مع حرب باردة جديدة وتفاقم التعسكر ونفقات الدفاع، والانجراف الهائل باتجاه اليمين، في أمور تمس الاقتصاد والخدمات الاجتماعية والأيدي العاملة المنظمة، فالنقد المعاصر، في عزوفه عن الدنيا بقضها وقضيضها كرمى لنص تكتنفه الشكوك والمغالطات إلى حد لا يتصوره العقل، تخلى عن جمهوره، عن أهالي المجتمع الحديث الذين تركوا تحت رحمة قوى السوق "الحرة" والشركات المتعددة الجنسيات ومضاربات الشهوات الاستهلاكية. وها نحن الآن نشهد ترعرع رطانة طنانة كي تحجب، بتعقيداتها المرعبة، الوقائع الاجتماعية وكي تشجع، وياللغرابة، دراسة "أنماط التمييز"، بشكل بعيد جداً عن الحياة اليومية في مرحلة انحسار القوى الأمريكية.
فالنقد لم يعد بوسعه التعاون مع هذه المغامرة التجارية، أو التظاهر بتجاهلها لأن ممارسة النقد لا تعني البتة إضفاء مسحة من الشرعية على الوضع الحالي أو الالتحاق بركب طبقة كهنوتية من البطاركة والميتافيزيقيين الدوغماتيين. إن كل مقالة في هذا الكتاب تؤكد على الترابط بين النصوص وبين الوقائع الوجودية للحياة البشرية والسياسية والمجتمعات والأحداث. فالوقائع المتعلقة بالقوة والسلطة -والمتعلقة أيضاً بضروب المقاومة التي يبديها الرجال والنساء والحركات الاجتماعية والسلطات والمعتقدات التقليدية - هي الوقائع التي تجعل من النصوص أمراً ممكناً، وهي التي تطرحها لقراء تلك النصوص، وهي التي تستقطب اهتمام النقاد. ولذلك فإنني أقترح أن تكون هذه الوقائع مثار اهتمام النقد والوعي النقدي.
وعند هذا الحد صار من الواضح ولابد أن هذا النوع من النقد لا يمكن ممارسته إلا خلف وخارج إطار الإجماع المتحكم بهذا الميدان اليوم في تلك الأشكال الأربعة المقبولة التي جئت على ذكرها آنفاً. ومع ذلك فلئن كانت هذه المهمة هي مهمة النقد في الزمن الحالي، ألا وهي الوقوف بين الثقافة السائدة وبين الأشكال التجميعية للمنظومات النقدية، فهنالك شيء من العزاء إن نحن تذكرنا أن هذا المآل كان في الوقت نفسه مآل الوعي النقدي في الماضي القريب.
***
ما من قارئ قرأ كتاب "المحاكاة" (Mimesis) لإرخ أورباخ، وهو واحد من أهم الكتب وأكثرها إثارة للإعجاب، وكتاب من أنفس الكتب التي ظهرت على وجه الأرض عن النقد الأدبي، إلا ودغدغت مشاعره الظروف التي أحاطت بالكتابة الفعلية لهذا الكتاب. فلقد لمح أورباخ عرضاً تقريباً إلى هذه الظروف في الأسطر الأخيرة من الخاتمة التي تمثل شرحاً موجزاً جداً لعلم المنهج (ميثودولوجيا) عما صار في خاتمة المطاف عملاً بارزاً ألمعية أدبية.
إذ بعد أن يشير أورباخ إلى أنه ماكان بوسعه أن يتعامل مع كل الأشياء المكتوبة من قبل عن الأدب الغربي، وفيه، لتحقيق طموحه في دراسة مستفيضة مثل "تصوير الواقع في الأدب الغربي" يردف قائلاً:
[ وقد أذكر أيضاً أن كتابة الكتاب كانت خلال الحرب وفي استانبول، حيث أن المكتبات غير مؤهلة لإجراء الدراسات الأوربية، وبما أن الاتصالات الدولية كانت معوقة كان لزاماً علي أن أستغني عن كل الدوريات تقريباً، وعن كل أحداث الاستقصاءات تقريباً أيضاً، كما كان لزاماً علي في بعض الحالات الاستغناء عن طباعة نصوصي طباعة موثوقة. ونظراً لذلك فإن من الممكن وحتى من المحتمل أن أكون قد تجاهلت بعض الأشياء التي كان يتوجب علي أن أمعن النظر فيها، وأن أكون قد أكدت أحياناً على شيء دحضه أو عدله البحث الحديث.... ولكن من الناحية الأخرى فإن من الممكن جداً أن يكون الكتاب مديناً بوجوده لهذا النقص نفسه المتمثل بغياب مكتبة غنية ومتخصصه. فلو أتيح لي أن أتعرف على كل ذلك العمل الذي تم إنجازه عن موضوعات عديدة جداً، لما توصلت على الأرجح إلى اتخاذ قرار بالكتابة].
إن مأساة هذا الشيء البسيط من التواضع أمر ملفت للنظر وذلك لأن أورباخ يتحدث، أولاً، بلهجة هادئة تخفي الكثير من آلامه في منفاه. فلقد كان لاجئاً يهودياً هارباً من أوربا النازية، وكان باحثاً أوربياً في ذلك التراث العريق الذي يدور حول دراسة (الأدب الرومانسي الألماني). ولذلك فقد كان هنا في استانبول يائساً من أي اتصال له مع المرتكزات الأساسية السياسية والثقافية والأدبية التي كان يستند عليها ذلك التراث الهائل. وفي كتابة "المحاكاة" لم يكن يمارس، كما يلمح إلينا في عمل لاحق، احترافه فقط على الرغم من كل المعوقات: بل كان ينجز عملاً ثقافياً، وحضارياً، حتى وسرمدياً ذا أهمية قصوى. فالشيء الذي جازف به ماكان مجرد احتمال ظهوره في كتابته ضحلاً، متخلفاً عن العصر، مخطئاً وذا طموح سخيف (إذ من هو ذلك الإنسان ذو العقل السليم الذي يضطلع بعبء مشروع ضخم جداً ضخامة موضوع الأدب الغربي بأسره؟)، ولقد جازف أيضاً، من الناحية الأخرى، باحتمال عدم الكتابة والوقوع بالنتيجة فريسة المخاطر الحقيقية للمنفى: أي انعدام النصوص والموروثات والتواصلات التي تشكل شبكة ثقافة ما. فالمنفي الأوربي يصبح، لدى انعدام الوجود الفعلي للثقافة كما تتمثل مادياً بالمكتبات ومؤسسات البحث ووجود كتب أخرى وباحثين آخرين، منبوذاً ومرتبكاً وبعيداً كل البعد عن الحس والأمة والمناخ.
وحين يختار أورباخ أن يذكر استانبول كمكان منفاه فإنه يضيف بذلك شحنة مأساوية أخرى على ظهور كتاب "المحاكاة" بشكل فعلي.فبالنسبة لأي أوروبي متمرس أساساً بالآداب الرومانية زمن القرون الوسطى وزمن الانبعاث الحضاري، بالشكل الذي كأنه أورباخ، فإن استانبول لا تجسّد ضمناً مكاناً خارج أوربا بتلك البساطة وحسب. فاستانبول تمثل التركي المرعب، والإسلام أيضاً، أي بعبع الديار المسيحية، والرمز المجسّم لتلك الردة الدينية المشرفية الكبيرة. لقد كانت تركيا، طيلة العصر الكلاسيكي للثقافة الأوروبية، هي المشرق كله ممثلاً بالإسلام العدواني المروّع(6). بيد أن هذا لم يكن كل شيء. فالمشرق والإسلام كانا يمثلان أقصى درجات الغربة عن أوربا ويمثّلان التصدي لأوربا والموروث الأوربي المتجسد باللاتينية المسيحية، فضلاً عن التصدي للسلطة المزعومة للكنيسة والمنزع الإنساني في التعليم والجماعة الثقافية الواحدة. لقد بقيت تركيا والإسلام، طيلة قرون وقرون، سيفاً مصلتاً على أوربا كوحش مركب عملاق يهدد أوربا بالدمار. إن وجود منفي أوربي في استانبول وقت الفاشية في أوربا كان يعني شكلاً صارماً ومهيلاً جداً من أشكال النفي عن أوربا.
ومع ذلك فإن أورباخ يكشف علانية سر تلك المفارقة التي مفادها أن بعده بالتحديد عن موطنه -بكل المعاني التي تنطوي عليها هذه العبارة- هو الشيء الذي أتاح له فرصة ذلك الإنجاز الرائع لكتاب "المحاكاة". فكيف تراه انقلب المنفى من تحد أو مخاطرة، لابل ومن صدمةعنيفة لذاته الأوربية، إلى مهمة إيجابية، ومهمة سيكون نجاحها عملاً ثقافياً ذا أهمية فائقة؟
إن الجواب على هذا السؤال موجود في المقالة التي كتبها أورباخ في خريف حياته بعنوان "فيلولوجيا الأدب العالمي". فالقسط الأكبر من هذه المقالة يحبك تلك الفكرة التي ظهرت على أوضح مايكون للوهلة الأولى في كتاب "المحاكاة"، والتي من الممكن تقديرها سلفاً في الاهتمام الباكر الذي أولاه أورباخ لفيكو، ومفادها أن العمل الفيلولوجي يتعامل مع الإنسانية جمعاء ويتخطى الحدود القومية. فكما يقول: "إن موطننا الفيلولوجي هو المعمورة، إذ لم يعد بوسعه البقاء ضمن إطار الأمة". ولكن مقالته تبين أن موطنه الدنيوي هو الثقافة الأوربية. بيد أنّه، وكأنما يتذكر اقتلاعه من جذوره الأوربية ومنفاه في المشرق، يضيف قائلاً: "إن أثمن قسط من إرث الفيلولوجي، والقسط الذي لا غنى عنه، لا يزال يكمن في إرث وثقافة أمته ذاتها. وإن عمله لن يكون مجدياً قولاً وفعلاً إلا حين ينفصل أولاً عن هذا الإرث ومن ثم يتخطاه"(7) وهكذا فابتغاء التوكيد على القيمة المستحبة التي تكمن في الانفصال عن الموطن يستشهد أورباخ بفقرة مما يقوله هوغو في كتاب "التهذيب" للقديس فيكتور-:
ولذلك فإن مصدراً عظيماً من مصادر الفضيلة بالنسبة للذهن المتمرس هو أن يتعلم بادئ ذي بدء، ورويداً رويداً، تبديل موقفه من الأشياء، المنظورة، والعابرة كي يتمكن لاحقاً من أن يخلفها كلها وراءه. فالإنسان الذي يرى موطنه أثيراً على نفسه هو إنسان غفل طري العود، والإنسان الذي ينظر إلىأية تربة وكأنها تربة موطنه فهو إنسان قوي، وأما الإنسان الكامل فهو ذلك الإنسان الذي يرى العالم بأسره غريباً عليه.
(إن النص اللاتيني بهذا الخصوص على أوضح مايكون إذ يقول: Perfectus vero cui mundus totus exilium est) )...
وهذا هو كل ما يقتبسه أورباخ من هوغو، في حين أن بقية الفقرة تتواصل على المنوال نفسه:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

النقد الدنيوي ادوارد ســـــــعيد ترجمة : عبد الكريم محفوض

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» مشكلات ترجمة أسلوب الاستثناء في القرآن الكريم - بالتطبيق على ترجمة معاني القرآن إلى لغة الهوسا لأبي بكر محمود جومي - د. صلاح خليل عبد العال سرور
» مشكلات ترجمة أسلوب الاستثناء في القرآن الكريم
» مشكلات ترجمة معاني الجزء الأول من القرآن الكريم
» مشكلات ترجمة الاستثناء المنقطع في القرآن الكريم - د. صلاح خليل عبد العال سرور
» الحاجة إلى ترجمة معاني القرآن الكريم - الدكتور صلاح خليل عبد العال - من رسالتي للماجستير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللغة والنحو والبلاغة والأدب :: البلاغة والنقد-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


النقد الدنيوي  ادوارد ســـــــعيد   ترجمة : عبد الكريم محفوض  561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
الأشياء مدخل الحذف على اسماعيل موقاي ظاهرة النحو اللغة النص النقد العربية الخيام المعاصر ننجز العربي بلال محمد اللسانيات قواعد مبادئ مجلة التداولية كتاب البخاري الخطاب


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | الحصول على منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع