منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارالخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد بكاي التلمساني
عضو شرف
عضو شرف


وسام النشاط :
وسام النشاط

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
210

نقاط :
602

تاريخ التسجيل :
15/08/2010

المهنة :
باحث وكاتب


الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً Empty
مُساهمةموضوع: الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً   الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً I_icon_minitime2010-11-03, 23:14

الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة
الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً

عبد الفضيل ادراوي

يضمر هذا المقال بين ثنايا أسطره هَمّاً نقدياً دفيناً، يتمثل في محاولة لفت الأنظار إلى نمط من أنماط القول في الثقافة العربية، كان قدره أن يعيش تحت وطأة ظلم نقدي عظيم، لم تشهد له باقي الأنماط القولية التي أنتجتها المخيلة الإنسانية نظيراً. ذلكم هو الدعاء الذي نكاد لا نسمع عنه حسيساً ولا همساً على الساحة النقدية. فقد بقي هذا الفن دوماً مستبعداً عن ساحة الدراسة والتحليل. منظوراً إليه نصاً للتدين والتعبد لا غير. فاغتصبت منه خاصيته الفنية، ومعها افتقد استقلاليته الذاتية، افتقاداً أورثه الإهمال والتبعية لغيره. فلم نظفر له في التصنيفات النقدية القديمة باعتراف أو تنظير، كما لم يكن له نصيب ذو بال في الاشتغال النقدي المعاصر.
وفي أحوال نادرة تنبه البعض لفنية الدعاء، فقارب باحتشام بعض نصوصه. لكن المقاربات ظلت أسيرة إما لجمالية الشعر أو لجانب البنية اللغوية(1).

مصيـر الدعـاء مصيـر البـلاغـة
تستوجب المقاربة الجمالية للأجناس الأدبية، أن ينطلق الدارس من حقيقة أن البلاغة ليست أبداً قوالب جاهزة، ولا قوانين أو قواعد متعالية، سابقة على الإبداع. ويقر أن البلاغة الحقة إنما هي ذلك النظر الراجح للإبداع، وأنها مجال مفتوح غير مكتمل، ومعيار فني قابل للتشكل والتكيف وفق تنوع الأجناس والأنواع، ووفق التحققات النصية، التي هي تمظهرات فعلية وتجسيدات ملموسة للبلاغة. بالنظر إلى أن كل خطاب يمثل وجهاً من وجوه البلاغة، ويسهم من جانبه في بناء صرحها الشامخ، وإغناء دوحتها المترامية.
إن حقيقة البلاغة هي الاحتكاك المباشر بالنص الإبداعي، والاستنطاق الفعلي لعوالمه الجمالية، ومعاينة مستويات انبنائه داخلياً، وتتبع مظاهر تأثيره في الآخر خارجياً. وهذا لعمري هو النظر النقدي الذي ينبغي للدارس البلاغي والناقد الأدبي أن يسير على هديه ويقتفي خطاه من أجل ضمان قدر من تكافؤ الفرص في التعامل مع الإبداع الإنساني بقسط وعدالة، من دون هضم حق هذا الصنف التعبيري أو ذاك. فالبلاغة «أوسع مما يمكن تقنينه في أبواب أو نماذج، إنها تتسع لكل الإمكانات التعبيرية وتنفتح على مطلق الصناعات الأدبية وشتى صيغ التصوير، وليس لها ضابط سوى وظيفتها الجمالية والإنسانية»(2). ويرجع هذا الاقتناع إلى الإيمان بأن البلاغة هي في جوهرها، عمل إنساني موسوم بقدر لا يستهان به من مظاهر الذاتية. فهي موسومة بقدر من الرجحان والمرونة، بحيث لا تفقد البلاغة روحها المتمثلة في وصف الجمال وتفسيره وتأويله. وهي كلها مقولات وثيقة الصلة بذات الدارس، التي تكون مطالبة بنظر موضوعي غير انطباعي أو عشوائي وغير خاضع للمزاجية السلبية. لكن مع قناعة أن عناوين هذه الموضوعية لا يمكن لها أن تُستقى إلا من النصوص الإبداعية نفسها. وأن معايير الجنس الأدبي والنوع وفراغات النص المتحقق وآليات القراءة وحيثيات التلقي، كلها ضوابط تدفع بالعمل البلاغي نحو الموضوعية التي لا تتنكر لخصوصيته الإبداعية الإنسانية.

واستناداً إلى هذا الفهم، يمكننا أن نزعم أن الخطاب الدعائي يمكنه أن يقدم نفسه إنتاجاً بشرياً له الشرعية الكافية في حقلي النقد والبلاغة. فهو خطاب متحقق بنصوصه التي تند عن الحصر، غني بتنويعاته وتفريعاته، له سحره وجماليته التي يستشعرها متلقيه، مكتسب قيمته بعناصره المتداخلة التي يتعانق فيها المضمون واللغة وطرق التعبير والوظيفة في الواقع، من خلال ما ينتجه من انفعالات وأحاسيس وعواطف، عبر استخدام جمالي للغته الخاصة. إنه خطاب أدبي يخضع لمعايير الخطاب الجمالي المرتبط بمعيار التذوق بوصفه أُسّ المقاربة البلاغية. فتسري عليه كل المقولات والأحكام الجمالية، كأن يقال عنه إنه(جميل) أو(رائع) أو (ممتع) أو (مؤثر) أو (شيق)..إلخ.

وهو إضافة إلى ذلك مقدم نفسه خطاباً يقينياً، ينظر إليه من زاوية الصدق والكذب، ينقل حقائق ومعلومات ومواقف منظوراً إليها في واقعيتها وفي ارتباطها بالحقيقة والتجربة. وفي الوقت نفسه لا تُعْوِزُه المواقف الخيالية، ولحظات المبالغة التي قد تتعدى دائرة المقبول وتتخطى مساحة (الماصدق).
ويمكننا التوقف مع جملة من الجوانب التي تثبت أن النص الدعائي نص إبداعي بامتياز، قابل للدراسة والتحليل من جوانب شتى تقع في صميم دائرة الجمال والصنعة الأدبيين.

الدعاء وآفاق التسديد اللغوي:
بمعاينة الدلالات اللغوية للدعاء، يظفر الباحث بنتائج مفيدة في ضم هذا الإنتاج إلى دائرة الأدب. إذ تتفرع عن الاشتقاق اللغوي للكلمة ظلال معانٍ عديدة ومنها:
- النداء، فـ«دعا الرجل دعوا ودعاء، ناداه. ودعوت فلاناً أي صحتُ به واستدعيتُه»(3). وفي الآية: (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده)، أي يناديكم «إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق. وقيل هي الصيحة التي تسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض المحشر»(4). ومنه قول عنترة:
يدعون عنترة والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم

- الاستغاثة(5)؛ ففي قوله تعالى Sadوادعوا شهداءكم من دون الله) يكون المراد: «استغيثوا بهم؛ وهو كقول الرجل: إذا لقيت العدو خالياً فادع المسلمين، ومعناه: استغث واستعن بالمسلمين»(6). ورأى ابن قتيبة أيضاً أن «معنى الدعاء هاهنا الاستغاثة. ومنه دعاء الجاهلية ودعوى الجاهلية»(7).

- العبادة، كما في الآية؛ (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم)(8).

- القول، إذ رأى أبو عبيدة أن: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)، تعني «قولهم وكلامهم»(9).

- الحث والحض على الشيء. ففي آيتي: (والله يدعو إلى دار السلام) و(رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه)، يكون المعنى «الحث على قصد الشيء»(10).

- الندب والنياحة، «فدعا الميت: ندبه كأنه ناداه. والتدَعيّ: تطريب النائحة في نياحتها على ميتها إذا ندبت»(11).

- الهداية، فقوله تعالى: (له دعوة الحق)، وكتابه(ص) إلى ملك هرقل (أدعوك بدعاية الإسلام) فيهما معنى الدعوة والهداية إلى توحيد الله وطاعته)(12).

- التّجَمُّع والإقبال، كما في الحديث: (.. تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)(13).

- الزعم والادعاء، فعند أبي إسحاق تعني آية: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) «أنهم لم يحصلوا مما كانوا ينتحلونه من المذهب والدين وما يدعونه إلا الاعتراف بأنهم كانوا ظالمين. والدعوى اسم لما يدعيه»(14).

والحق أن الدارس يمكنه أن يستخلص من معاني كلمة (دعاء) ومشتقاتها، نتائج مغرية في دراسة الدعاء والاعتراف به جنساً أدبياً.
فهو قول ونداء، وهذا يجعل منه خطاباً أو رسالة محكومة بعناصر الإرسال وتقنيات التواصل المطلوبة في الدراسات البلاغية واللسانية والأسلوبية.

وهو زعم وادعاء، وهذا يجعل منه نمطاً تعبيرياً يعانق الخطابية ويغرف من السمات الحجاجية والآليات الاستدلالية، التي تمكن من طرح مضامين يفترض أن تتوجه نحو أطراف قد تقبلها وقد ترفضها. وفي كل الأحوال تفرض على الخطاب أن يراعي المعايير التواصلية الإقناعية التي تمكنه من الصمود أمام احتمالات التشكيك والرفض وسوء الظن، التي تلازم كل خطاب(15).

وهو استغاثة وندب ونياحة، وهذا من شأنه أن يجعل من الدعاء خطاباً ذا سمات عاطفية، لا تختلف عن السمات الدرامية المطلوبة في الفنون التي تصور الدراما وتعبر عن المأساة والألم والمعاناة. كما يحيل هذا المعنى إلى مجالات النفس والشعور، وقيم العاطفة الجياشة التي لن يعدمها صدق الإحساس وألم الاحتراق وعمقه.
وهو دعوة وهداية، وهذا يجعل من الدعاء نمطاً تعبيرياً يأخذ خصوصيته من موضوعه الأخلاقي التربوي، ومن أهدافه ووظيفته وتأثيره في الواقع. وهي أبرز سمة مطلوبة في النقد والإبداع؛ أن ينشد «الوصول إلى الجماعة من أجل تغييرها»(16)، ويروم «ترشيد المتلقين»(17). فيكون الدعاء أدباً هادفاً لا ينفصل فيه الفن عن مجتمعه.

وهو عبادة، وهذا يجعل منه خطاباً وثيق الصلة بالروح، وبكل ما يرتبط بعوالم المناجاة والاعتراف والتخلي. ويدفع نحو ابتغاء قيم الذاتية فيه، ومساءلته في ارتباطه بالنص الديني. ويفتح باب البحث على مصراعيه، للسير في اتجاه تغيِّي السمات الخاصة التي يمكن أن تفرده عن غيره من الإبداعات البشرية، بوصفه إنتاجاً محدداً بالقول الديني، ومعاينة مدى تحرره، وما حدود تسويره.

وهو مأدبة وتجَمُّع، فيكون الدعاء مجالاً مغرياً، فاتحاً شهية الدارس، مسيلاً لعابه لازدراد ما تضمره نصوصه من لذيذ خيراتها وأطاييب أصنافها وأنواعها.

وهي ظلال معانٍ ودلالات، تقع في صميم الاشتغال النقدي، بما يجعل العتب شديداً على من يقابل النص الدعائي بمنطق التجاهل والإقصاء، ويخرجه عن دائرة الإبداع والأدبية.

الدعاء في معركة التجنيس؛ من المعضلة إلى الشرعية

تعد إشكالية التجنيس أهم تحدٍّ يواجه دارس النص الدعائي، ومرجع ذلك إلى ارتباطه بمعضلة التجنيس بشكل عام، بالنظر إلى أن «صورنة العمل الأدبي تبقى مطمحاً، دون أن تكون مسَلَّمة حاصلة، لأن النظام الصوري يتأبى على الاستيعاب، في مستوى الصور ذاتها، وكل ما سيكون بالإمكان قوله يبقى تقريبياً. فسيكون لازماً الاكتفاء بالاحتمالات بدلاً من توجيه يقينات واستحالات(18). كما أن الصعوبة ترجع إلى كون الأجناس، «مرتبطة بالضرورة بتحديدات الفعل التواصلي، لأنه وإن كانت أسماء الأجناس ترتبط بالأفعال الخطابية، وكل فعل خطابي هو فعل وظيفي، وأن قطب الوظيفة يتدخل في تحديد أسماء الأجناس حسب صيغ مختلفة، فإن الفعل الخطابي ليست له واقعية إلا باعتباره فعلاً تواصلياً»(19)، إضافة إلى أن الجنس «يبقى فعلاً لغوياً، وهو بذلك فعل معقد»(20)، تتداخل فيه عناصر لا يمكن ضبطها(21).

إلا أن هذه المعضلات لا يمكنها أن تحول دون إخضاع الدعاء للعملية التجنيسية التصنيفية، ويبقى حقه في ذلك مشروعاً ومبرراً نقدياً، ما دام يعلن عن هويته النوعية، نمطاً قولياً تُحَقِّقه تراكمات نصية لا تنتهي. فقد «انكب العلماء وتهافتوا على تدوين الأدعية في مختلف الأزمنة وعملوا على شرحها وترجمتها وكتبوا عليها الحواشي والتعاليق، وعملوا لها الفهارس التي لو أتينا على ذكرها وتفصيلها لطال بنا المقام»(22). فهو متحقق بنصوصه التي تغطي مرحلة زمنية تمتد من الجاهلية، وهي مستمرة إلى اليوم. وهو متحقق في متن متنوع، قد تطول نصوصه عشرات الصفحات، وقد تقصر إلى كلمة واحدة، وفي تباين بين النص الكامل المستقل بذاته، وبين الجزء التابع لغيره، وفي تنوع أسلوبي تتعدد صيغه وتشكيلاته بتعدد دلالاته وقضاياه. وهي نصوص استوعبتها الذاكرة الحافظة، كما حوتها أمهات الكتب والمدونات؛ كتب الحديث والمساند والتاريخ والتفاسير، وكتب أدعية خاصة كـ(الصحيفة العلوية)، و(الصحيفة الحسنية) و(الصحيفة الحسينية) و(الصحيفة السجادية)و(الصحيفة الصادقية) و(الصحيفة المهدية) وغيرها مما يند عن الحصر. وطالما أن التفكير بواسطة الجنس أو النوع، هو طريقة إنسانية في التواصل الأدبي، فإن الدعاء، لأنه إبداع متحقق وجوداً ومتناً، تغدو له الشرعية المطلقة كي يطالب بنصيبه من التناول النقدي.

الدعاء بين التهـجيـن ومغامرة التأصيل

لقد كان من أهم أسباب الحيف الذي لحق بالدعاء في مجال القراءة النقدية كونه يصدم الباحث المحلل بإشكالية تجنيسية تصنيفية، تتمثل في كونه يقوم على نوع من التهجين لأسلوب النثر، ويعمد إلى تفتيت ظاهري لتماسكه النوعي (حديث – حكاية - تاريخ – مناقب - موعظة - مثل – رحلة - مرافعة – خطبة -وصية – قصة –خبر - حكمة - قرآن...إلخ)، وكأنه يحاول أن يؤصل النثر في نسيج الثقافة السائدة. إذ رهن مصيره بإشكالية العلاقة بين جنسي الشعر والنثر، وما لها من انعكاسات على الإبداع والمبدع وعلى عملية التلقي.

والحق أن مبدع الدعاء لم يكن بمعزل عن تلك المعركة التي كانت محتدمة على أشدها بين هذين القسمين الكبيرين. واختياره الصيغة النثرية في القول قد يعد مغامرة فنية، تقتضي منه الوعي بإشكاليته الفنية وعياً جدياً، كما تقتضي منه الكفاءة اللازمة لمنافسة الشعر، الذي تبوأ رتبة حضارية وحط بثقله على آفاق التلقي لدى القراء. فقد كان «الشعر من بين الكلام شريفاً عند العرب»(23). بل إنه استطاع أن يخيم بظلاله على وعي النقاد الذين: «كان الشعر عندهم موضع التفكير البلاغي والنقدي، حيث نكاد لا نجد أي أثر للأجناس النثرية في مسار هذا التفكير الذي ظلت مفهوماته ومصطلحاته تدور في فلك الشعر»(24).

وإذا استحضرنا إلى جانب هذا، أن الشعر ظل عبر مراحل تاريخية طويلة، وسيلة للرقي الاجتماعي، وسبيلاً فعالاً لتحسين الوضع في هرم المكانات الاجتماعية، نظراً لارتباط الشعراء بالبلاط والحكام، وحاجة هؤلاء إليهم، فإننا ندرك حجم المغامرة التي يركب متنها صاحب الدعاء، حين يختار النثر صيغة جمالية لتمرير خطابه ورسالته الإبداعية، مع علمه أن المفاضلة بين الجنسين حاصلة، وأن النثر يتوارى خلف الشعر، والحديث عن الطبع والصنعة موقوف على الشعر، لأنه يرتبط بالشعور، إلى درجة أن «غصب الشعر من النثر ما أحب أن يضمه إليه، وتركه بلا ميزة تميزه»(25).

وتتجلى المغامرة بشكل أوضح، عندما ندرك أن جنس الدعاء قد صاغ نصوصه في مراحل تاريخية مختلفة، كان إبانها الخلاف بين المذاهب والطوائف الإسلامية على أشده، وكانت روح التعصب والعناد سيدة الموقف، (نستحضر الصراع السياسي عبر العصور، وخصوصاً صراع المذاهب والأحزاب على عهد الأمويين والعباسيين). وهو ما أدى إلى تغييب أنواع نثرية ظلت تُطرق غالباً من زاوية علاقتها بالشعر، إن كتب لها أن تطرق، وإلا كان نصيبها التهميش والتحييد، حتى إننا: «لا نكاد نجد اهتماماً حقيقياً بجماليات النثر الفني على نحو ما تحقق بالنسبة إلى الشعر»(26). ما ترتب عنه أن أغلب المعايير الجمالية المستخلصة: «تدين في أصلها لجماليات هذا الجنس الأدبي»(27).

وفي أحسن الحالات كان الاهتمام بالنثر محكوماً بهاجس: «البحث عن إحكام لقوانين الكتابة وحصر لأفانينها»(28).

ولا يعجم عن الأذهان أن النثر العربي قد تم تناوله في النقد القديم من منظورات تميزت بالعمومية في الغالب، وأن أنواعه النثرية لم تعرف حصراً دقيقاً، ولا تتبعاً تفصيلياً. كما لم توضع لها قواعد صارمة، ولا معايير علمية ضابطة ومقننة، بحيث تكون عذراً لدى البعض لإقصاء هذا النوع أو ذاك. بل على العكس، فالباحث بإمكانه أن يظفر بمنظورات راجحة، يستفاد منها الإيمان بتنوع النثر واختلافه وانفتاحه. يقول ابن خلدون مثلاً: «وأما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعاً، ويلتزم في كل كلمتين منه قافية، ومنه المرسل، وهو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقاً ولا يقطّع أجزاء، بل يرسل بلا تقييد بقافية ولا غيرها ويستعمل في الخطب والدعاء وترغيب الجمهور وترهيبهم»(29)، وهو «يشتمل على فنون ومذاهب في الكلام»(30). ويشير آخر إلى أن «النثر مطلق غير محصور، فهو يتسع لقائله»(31). ويقول آخر: «وتأملت – أدام الله توفيقك-النثر فوجدت فيه من أنواع البديع ما في النظم.. وجعلت أبحث عن ضروب الكلام فوجدتها على فصول وأقسام»(32).

فإذا أدرك الدارس هذه الأمور، حينئذ يقتنع أن الباب لا يزال مفتوحاً أمام كل الأنواع الموجودة، بل وحتى التي سوف توجد لاحقاً، كي تحظى بشرف التناول النقدي. ويلزمنا حينئذ أن نطالب الدرس النقدي بمزيد من الموضوعية، وننبهه إلى ضرورة التحلي بالقسط في التعامل مع الإبداع البشري، حتى تدرس جميع الأنواع الأدبية، شعرية ونثرية، قديمة وحديثة، من دون استثناء. وسوف يكون الدعاء أحد أبرز الأنواع التي لحقها الإقصاء، وقد نتج عن ذلك ثغرة نقدية تتطلب الشجاعة الأدبية والنقدية لسدها. حتى لا يقتصر الدرس البلاغي على «معالجة الشعر أو فنون القول القريبة..ويكون أساس البحث في جميع هذه الأنواع اعتبار ما تقوم عليه من مكونات وسمات خاصة بكل نوع»(33).
الخطاب الدعائي يمكنه أن يقدم نفسه إنتاجاً بشرياً له الشرعية الكافية في حقلي النقد والبلاغة. فهو خطاب متحقق بنصوصه التي تند عن الحصر، غني بتنويعاته وتفريعاته، له سحره وجماليته

الدعاء واللحظة الجمالية التعبيرية

إن للدعاء صياغته الجمالية المتميزة، تلتقي في جوانب كثيرة منها مع بلاغة الأنواع المعروفة، وتستجيب لمعايير البلاغة التقليدية؛ بلاغة الأبواب والمفاهيم المجردة، من قبيل اعتماد الخيال، وتوظيف اللغة الباذخة، وتغيِّي التحسين والتجميل بكل السبل الممكنة، وتنويع المعاني والموضوعات. وهو قول لصيق بالروح، منصب على توصيف المشاعر والأحاسيس، ملتفت إلى الداخل، عامل على إظهار النفس في صورتها الكائنة والممكنة، و«حقيقته إظهار الافتقار إلى الله»(34). مما يوقفنا على مركزية الذات في الدعاء، يوصفها ركناً أساساً في العملية الإبداعية، الشيء الذي يفتح آفاق تحليل هذا الخطاب على جهة المرسل الذي يتشكل من خلال سمات إبداعه. ويصبح النص حاملاً جملة من سمات الشعرية والتعبير الذاتي الجميل.

كما أن عملية (إظهار الافتقار)، هي اعتراف وعرض، وهي عملية توحي بقدر كبير من الصنعة والتشكيل والتصوير، وتعانق آداب البوح والمناجاة الفردية وآداب الذات وما تستوعبه من سمات إنسانية. وهو أهم عنصر مبحوث عنه في مجال قياس أدبية وبلاغية أي خطاب إبداعي في مجال الدرس الأدبي.
ويؤسس النص الدعائي لبلاغة رحبة وواسعة، تمتد عبر الآفاق الإنسانية الممتدة. كما تلامس الحياة في أبعادها وجوانبها المتعددة والمتشعبة، بل وحتى في تفاصيلها الدقيقة. لذلك وجد امتداده بين شريحة كبيرة من القراء والمعجبين. ومعلوم أن من شروط الجميل «ضرورة إجماع ناس على اعتباره جميلاً، فتتوحد عليه عقولهم وأذواقهم»، كما يطرح (أ. كانط). وهذا يدل على أنه كلام إبداعي تتحقق فيه مقومات الجمالية التي ضمنت له حداً من المقبولية، التي لا تتحقق إلا بعنصري «التوافق والانسجام»، وهما ركنا الجمالية عند (بومغارتن)(35)، وبهما اكتسب الدعاء مناعته الذاتية، وصمد في وجه عوامل الفناء والانقراض. فهو إبداع لا تعوزه إذن خاصية «اللحظة الجمالية»(36). ولعله بمراعاة هذه الجمالية كان مبدع الدعاء يراعي ما وضعه النقاد من معايير لضمان المقبولية، من قبيل أن الكلام «إذا كان لفظه غثاً ومعرضه رثاً، كان مردوداً ولو احتوى على أجل معنى وأنبله»(37)، وأنه «إذا لم يكن اللفظ رائعاً والمعنى بارعاً لم تصغ له الأسماع ولم تحفظه النفوس ولم تتناقله الأفواه ولم يخلد في الكتب»(38).
ومما يغرس الدعاء في تربة الإبداع الأدبي الجميل، كون الذاكرة الأدبية حفظت لنا نصوصاً لا يحصيها عدّ، لشخصيات عرفت ببراعتها وفصاحتها. وتكفينا دليلاً، تلك النصوص الدعائية الصادرة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وعن الصحابة والتابعين وأئمة التصوف. ومن يقرأ الأدعية المطولة المروية عن الإمام علي بن أبي طالب مثلاً، أو عن ابنيه الحسن والحسين، يدرك بالملموس أنها كسائر كلامهم «أشرف الكلام وأبلغه، بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وأغزره مادة، وأجمعه لجلائل المعاني»(39). لأنه إبداع ذات متمرنة في ميدان الفصاحة والبيان وإجادة الكلام. ومعلوم أن العملية الإبداعية ليست من نصيب الجميع، وإنما هي حظ من «قد تعبد للمعاني وتعود نظمها وتنضيدها وتأليفها وتنسيقها واستخراجها من مدافنها وإثارتها من مكامنها»(40). لذا فإن هذا النوع النثري في تراثنا العربي قمين بالدراسة البلاغية، خاصة إذا نحن أنصتنا إلى تلك الدعوات التي تعلن بالتنظير والممارسة، عدم حصر العمل البلاغي في حدود مرسومة سلفاً، أوأبواب مقننة.

الدعاء في الموقف التداولي
إبـداع للحيـاة:

من مسلّمات المنظورات النقدية المعاصرة أن «اللغة والأدب والفن والبلاغة إنما هي جميعها في خدمة الحياة التي لها الاحترام الأول والمكانة المفضلة. فنحن نتعلم الفنون ونمارس البلاغة ونعنى بالثقافة لكي نصل في النهاية إلى مستوى عال من الحياة»(41). ولعل جنس الدعاء لا يخرج عن هذا المنظور، فهو إبداع تعبدي إصلاحي في جوهره، هدفه تربية الإنسان وصياغته ليكون كائناً أفضل في الحياة، لذاته وللآخرين وللوجود أجمع. وهي عينها غاية البلاغة بمفهومها الرحب «غاية فنية، تخدم الحياة وتواكب التطور وتفي بحاجة الأمة والفرد. وهي نفس الحاجات المطلوبة في كل فن في المجتمعات»(42). وتبدأ وظيفية الدعاء الحياتية من شخصية الداعي. فإن للدعاء، كما يرى أ. كاريل مثلاً: «أعمق الأثر في روح الإنسان وفطرته، إنه ينضجه وينميه إلى حد أن يضيق كيانه بأثر البيئة والوراثة»(43). لذلك وُصف كلام أئمة الدعاء ورواده في الثقافة الإسلامية، بأنه يتضمن العلم الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الإنسان ويلبي مختلف حاجياته، فتراثهم «يبين كيف يمكن للإنسان أن يصلح نفسه ومجتمعه»(44).
ولن يكون بمقدور أحد، انطلاقاً من هذا الفهم الوظيفي والرحب للإبداع والبلاغة، أن يضرب عن الدعاء صفحاً، أو يطوي عنه كشحاً، لأنه إبداع يربط الإنسان بحياته الواسعة، ويفتح ذهنه على أرجائها المترامية، «تلك الحياة الشريفة السعيدة التي يجب أن نجعلها هدفاً نوجه إليه فنوننا وعلومنا وعقائدنا»(45). وهي عينها رسالة الدعاء وغايته في المجتمع.

- إبـداع للتغيـيـر
والحق إننا لا نعدم إشارات، هنا وهناك، يمكنها أن تفيد في مجال التأصيل للدعاء جنساً أدبياً في الثقافة العربية الإسلامية، يمتلك مقومات أساسية تشفع له في المرافعة أمام القضاء النقدي إلى جنب الأجناس الأخرى، عساه أن يحظى بشرف الاعتراف والقبول من لدن الدارسين، والانضواء تحت لواء البلاغية، ويسهم بدوره، في بناء صرحها الشامخ.
تعد إشكالية التجنيس أهم تحدٍّ يواجه دارس النص الدعائي، ومرجع ذلك إلى ارتباطه بمعضلة التجنيس بشكل عام، بالنظر إلى أن «صورنة العمل الأدبي تبقى مطمحاً، دون أن تكون مسَلَّمة حاصلة، لأن النظام الصوري يتأبى على الاستيعاب، في مستوى الصور ذاتها

فسليمان كتاني مثلاً، في معرض حديثه عن الدعاء عند الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ت 95 هـ) في (الصحيفة السجادية)*، يبين أن عمل الإمام كان «موجهاً توجيهاً ملوّن الأبعاد، أملته ظروف سياسية لا تسمح له بتوسيع صدره في الساحات.. فعمد إلى السجود والصلاة ومناجاة رب الأرض والسماوات عبر توريات خفية يزينها الفكر الأنيق، والمعنى المنزل في تجويف الكلمات. وكان الفن موزعاً في سياسة الأسلوب، يصوغ الصور ويرتلها على موسيقى تنبض بها ضلوع الحروف، في فصاحة وبلاغة تخففت بها جلالات الخيال وأناقات التعبير»(46).

ويضيف في موضع آخر: «يدعو الإمام دعاء مستفيضاً من أجل إصلاح الأمة وإصلاح السياسيين في كل حين وفي كل جيل، حتى يكونوا خير من يقوم في تثبيت الأمة على الركائز الاجتماعية الصحيحة»(47). ويتتبع شريعتي حياة هذا الإمام نفسه، وظروف الجبروت التي عايشها، ويبين أن صحيفة أدعيته هي «كتاب دعاء»، إلا أنها «كتاب الجهاد في الانفراد، والكلام في الصمت، والتأهب في الفشل، والتعليم بالشفاه المطبقة، وتسليح من أخذوا سلاحه»، وهي «دروس الحياة والمثال والقدوة والتفكير والعمل». بل إن السلطة السياسية الأموية التي عايشها السجاد كانت «تقف لتلك الكلمات بالمرصاد؛ فهي أخطر عندها من كلمات تقدح في الإله»(48). ويبين آخر أن الدعاء «يثبت أمام الإنسان أهدافه التي يريد بلوغها، ويعمق في النفس ما يطلبه المرء من الخير وما يستعيذ به من الشر، فكأنه نشيد يوحي بالعمل الإيجابي»(49). وهو عند آخر «مدرسة متكاملة تحتضن كافة المفردات الحياتية التي لا غنى للإنسان عنها» و«منهج حياتي متكامل»(50). وهي، لعمري، شهادات، وإن كانت لمهتمين بالفكر الإسلامي وفلسفة الدين، وليست لنقاد أو بلاغيين متخصصين، إلا أنها تنبهت لوظيفية هذا الخطاب، بما يدخله في صميم الاشتغالين البلاغي والنقدي، وبما يخلصه من ظلم الإقصاء والتقزيم والتبعية لغيره.

إبداع للإقنـاع:
ويدعم الشهادات أعلاه كون النصوص الدعائية الرائدة أُنتجت في بيئة غنية، تواجد فيها الفلاسفة والمتكلمون والشعراء والنقاد والنحاة والمفسرون والإعجازيون والمنكرون والملحدون، وأتباع الديانات الأخرى من سماوية ووضعية. وكان مقامها التواصلي مقاماً سجالياً بامتياز، يقتضي مناقشة غير المؤمنين؛ من الكفار والزنادقة والمتعصبين والمنتصرين للسلطة الحاكمة والسائدة(51). فلا مناص إذن من الخضوع لمقتضيات المقام، وتمثل المقولة التواصلية الشهيرة: «لكل مقام مقال». وهي أشياء تجعل الداعي يواجه «تحديات فكرية ومعتقدات مذهبية، وأحياناً شخصية، ليست بالضرورة متماشية مع معتقده ومسلّماته. كما أنها توجهات لا تقتصر على الاختلاف أو الرفض، وإنما تسعى إلى الهدم والتحطيم، مستغلة كل السبل المتاحة. وترى كل الوسائل مبررة لهذه الغاية»(52). وهنا نستحضر نظرية مايير عن الخطاب اللغوي وارتباطه بإشكالية الاختلاف في العالم الإنساني، وكذا النظرية البلاغية لبيرلمان التي ترى أن الخطاب يكون دوماً معرضاً لسوء الظن والمساءلة والتشكيك.

وإذا كانت البلاغة العربية قد تشكلت عموماً في سياق الدفاع عن النص الديني، وتقنين فهمه بما يماشي المعتقدات الأساسية لدى أصحاب المذاهب والفرق الإسلامية، من أشاعرة ومعتزلة وغيرهم، فإن الرواد من أئمة الدعاء، كالإمام علي بن أبي طالب، والحسن المجتبى، والحسين الشهيد، وزين العابدين السجاد، وجعفر الصادق، هم أول من يفترض فيهم النهوض بهذه المهمة، والانخراط المباشر في كل المعارك التي تنشب وتحتد في الواقع. ومن تم الاستعداد «لخوض السجال المطلوب والمفروض في معركة لا مكان فيها لغير السيد؛ السيد بقوله ولسانه، أو بأتباعه وعشيرته، بأمواله وأرزاقه، أو بجنوده وأعوانه»(53).
لقد كان من أهم أسباب الحيف الذي لحق بالدعاء في مجال القراءة النقدية كونه يصدم الباحث المحلل بإشكالية تجنيسية تصنيفية، تتمثل في كونه يقوم على نوع من التهجين لأسلوب النثر، ويعمد إلى تفتيت ظاهري لتماسكه النوعي

ومن عبارتي (خوض السجال) و(لا مكان فيها لغير السيد)، تتبين أهمية التحليل الإقناعي لهذا الخطاب. فهو متعدد المقاصد ومتشعب الوظائف البلاغية؛ يمتد من الفرد إلى الآخر، فإلى المجتمع، ثم الإنسانية في وجودها الراهن والواقعي، الذي يباشره منتج النص، وفي وجودها العام والفسيح المطلق، يتوق إلى ترسيخ موضوعات وقيم الكمال الإنساني فيعانق «الأفق الرحب للوجود البشري، في صورته المادية التي تتقوم بجسده الفاني، وفي كينونته الإنسانية التي تتقوم بالروح والعقل والقلب، في حياته القصيرة الفانية وفي حياته الأخرى غير المنتهية»(54).



هوامش ومراجع الدراسة:

1 - يمكن أن نحيل إلى عناوين تناولت أدبية الدعاء، كـ(بنية الدعاء) لعبد الله العشي، و(الدعاء في الرسائل) لصالح بن رمضان، و(في بلاغة الدعاء النبوي) لعبد الرزاق محمود فضل، و(من بلاغة الدعاء في القرآن) ليحيى بن محمد عطيف، و(جمالية الدعاء) لسعاد الناصر.. إلخ. إلا أنها جميعها بقيت مدينة لجمالية الشعر أو جمالية أجناس أخرى، أو أسيرة النظرة التبعيضية للإبداع. وقد كان لنا في غير هذا المقام، مناقشات مفصلة كشفنا خلالها عن مظاهر الخلل في هذه المحاولات وفي غيرها.
2 - محمد مشبال، أسرار النقد الأدبي، مكتبة سلمى، تطوان، ط1، 1922، ص 46.
3 - ابن منظور، لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، ط1، د.ت، ج5، ص 266.
4 - محمد بن علي الشوكاني، فتح القدير، دار المعرفة، بيروت، د.ت، ج 3، ص 234.
5 - لسان العرب ج5، ص 266.
6 - لسان العرب ج5، ص 266.
7 - ابن قتيبة، غريب القرآن، تح. أحمد صقر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398 هـ، ص 43.
8 - لسان العرب، ج 5، ص 266.
9 - أبو عبيدة، مجاز القرآن، تح: فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، القاهرة، د.ت، ج 1، ص 275.
10 - المفردات في غريب القرآن، ص 176.
11 - لسان العرب، ج 5، ص 268.
12 - نفسه، ص 267 - 268.
13 - نفسه، ص 268.
14 - نفسه، ص 267.
15 - Perleman Chaim, Lempire rhétorique, ed. vrin, 1977, p: 38
16 - سيد البحراوي، في البحث عن لؤلؤة المستحيل، دار الجيل، بيروت، لبنان، ط 1، 1988، ص 23.
17 - نفسه، ص 10.
18 - تزفيتان تودوروف، مدخل إلى الأدب العجائبي، ترجمة الصديق بوعلام، دار الكلام، الرباط، 1993، ص 27.
19 - Jean Marie Shaeffer; Qu est. ce q un genre littéraire?.ed.Seuil. Paris 1989 P 105-106
20 - Idem , P 116
21 - Idem , P 125
22 - محمد باقر موحد الأبطحي، مقدمة شرح الصحيفة السجادية للإمام السجاد، دار الصفوة، ط2، 1992م، ص 10.
23 - عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1993، ص 489.
24 - محمد مشبال، (البلاغة ومقولة الجنس الأدبي، عالم الفكر)،ع 1، مجلد 30، 2001، ص 62.
25 - شكري محمد عياد، (مشكلة التصنيف في دراسة الأدب)، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، ع43، س11، ربيع 1993، ص107
26 - محمد مشبال، بلاغة النادرة، دار جسور للطباعة والنشر، ط 2، 2001م، ص 7.
27 - نفسه، ص 6.
28 - نفسه، ص7
29 - المقدمة، ص 486.
30 - نفسه، ص 486.
31 - ابن وهب الكاتب، البرهان في وجوه البيان، بغداد، ط1، 1967، ص 127.
32 - أبو القاسم الكلاعي، إحكام صنعة الكلام، تح: محمد رضوان الداية، عالم الكتب، بيروت، ط2، 1985، ص 103.
33 - محمد مشبال، أسرار النقد الأدبي، مكتبة سلمى، تطوان، ط1، 1922، ص 10.
34 - أبو سليمان الخطابي، شأن الدعاء، تح: أحمد يوسف الدقاق، دار الثقافة العربية، ط. 3،1992 م، ص 3.
35 - توحيد الزهيري، نحو فلسفة إسلامية للفن والجمال، دار القلم، القاهرة 1998، ط1، ص 47.
36 - انظر جون ديوي، الفن خبرة، تر: زكريا إبراهيم، دار النهضة العربية، القاهرة، د. ت.
37 - أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، تح: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1981م، ص 58.
38- أبو عثمان الجاحظ، كتاب الحيوان، تح: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، 1992، ج 3، ص 346
39- محمد عبده، مقدمة نهج البلاغة للإمام علي، أشرف على تحقيقه وطبعه عبد العزيز سيد الأهل، دار الأندلس، بيروت، د.ت، ص12.
40- أبو عثمان الجاحظ، البيان والتبيين تح: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر، د.ت، ج4، ص 30.
41- موسى سلامة، البلاغة العصرية واللغة العربية، المكتبة العصرية، القاهرة، 1947م، ص 104-105.
42- أمين الخولي، فن القول، دار الفكر العربي، القاهرة، 1947م، ص 113.
43- نقلاً عن علي شريعتي، الدعاء، تر: سعيد علي، دار الأمير، ط 1، 2006، ص 58.
44- محمد تقي المدرسي، التاريخ الإسلامي، دروس وعبر، دار الجيل، بيروت، ط1، 1984، ص 136.
45- سلامة موسى، البلاغة العصرية، ص 105.
* تح: محمد باقر الموحد، دار الصفوة، بيروت، ط2، 1992م. والصحيفة السجادية نسبة إلى صاحبها السجاد، وهو الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بزين العابدين السجاد، عاش بين سنتي (37 هـ و95هـ)، تجمع حوالي 270 دعاء من أدعيته المتنوعة شكلاً ومضموناً. المختلفة بين المختصر والمطول، بين الشعري والنثري والمختلط، في مناسبات وظروف مختلفة من حياة السجاد.
46 سليمان كتاني، الإمام زين العابدين عنقود مرصع، دار الروضة، بيروت، ط1،-1993 م، ص 266.
47 نفسه، ص 266.
48 الدعاء، ص 48-51.
49 محمد فتحي عثمان، الفكر الإسلامي والتطور، دار البراق للنشر، تونس، ط 1، 1990، ص 186.
50- الشيخ جاسم الأسدي، الدعاء أمل وعطاء، منشورات ناظرين، ط1، 2004م، ص 18-19.
51- أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة (ثمانية أجزاء)، دار التعارف، بيروت، ط1، 2001م. وفيه يمكن الاطلاع على طبيعة المعارك الفكرية والعقدية التي كانت تواجه هؤلاء.
52- الشيخ المرتضى صادقي، (العقيدة الرسالية في مواجهة العقائد الوضعية) مجلة نور الإمامة، عدد 16، س4، 1989م، قم، ص 109.
53- نفسه، ص 125.
54- السيد محسن الطبطبائي، رسالة الطلب والإرادة، ترجمة وتعليق محمد رضا محمد، دار المحجة البيضاء ودار مكتبة الرسول الأكرم، بيروت، لبنان، ط1، 1992م، ص 71.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» آليـَّات تشكـل الخطـاب الحجاجي بيـن نظريـة البيـان ونظريـة البرهـان.
» آليـَّات تشكـل الخطـاب الحجاجي بيـن نظريـة البيـان ونظريـة البرهـان.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللسانيات النظرية :: تحليل الخطاب و لسانيات النص-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


الخطـاب الدعائـي والشـرعية التجنيسيـة الجماليات بوصفها خطاباً أدبياً 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
مجلة ننجز الحذف اسماعيل موقاي النقد النص اللسانيات كتاب البخاري العربي التداولية المعاصر الأشياء مبادئ قواعد بلال العربية محمد النحو ظاهرة الخيام على مدخل الخطاب اللغة


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | الحصول على منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع