(إلى سيليا)
في مساهمتي السابقة كانت الرباعية التي تحمل رقم (60) هي:
بِعَيْنَيْكَ فَاشْرَبْنِيْ وَقُلْ: "أَنْتَ خَمْرَتِيْ" ***** فَحُسْنُكَ قَدْ أَغْرَى بِشُرْبِكَ عَيْنَيَّا
وَضَعْ قُبْلَةً فِيْ الْكَأْسِ تُطْفِيْ صَبَابَتِيْ ***** وَشَوْقِيْ، وَيُمْسِيْ الْخَمْرُ إذ ذاك مَنِسِيَّا
Drink me only with thine eyes
And I will drink you with mine
And leave a kiss on the cup
And I will not look for the wine
وقد حصلتُ على النصِّ الإنجليزي عن طريق أحد الأصدقاء ممن يعرف ولعي بالمعاني الجميلة واستمتاعي بنظمها. وهنا أحبُّ أن أكشف شيئاً عن الأسلوب الذي أتَّبعه في النظم، فأنا أحاول أن آتي بأبياتي الشعرية مقاربةً جداً للأصل الذي أحاول نظمه، ولذلك فإني عادةً لا أكتفي برباعيةٍ واحدةٍ في المعنى الواحد، بل أستمرُّ في تغيير بعض الكلمات، ومعالجة المعنى بأسلوبٍ آخر، وينتج عن ذلك في كثيرٍ من الأحيان رباعيةٌ جديدةٌ، أو أكثر، كما حصل مع هذه الرباعية التي نظمتُها مع أخواتٍ لها يشاركنها في المعنى، ويختلفن عنها في المبنى. وإليكم الرباعيات الأخرى:
2-
بِعَيْنَيْكَ فَاشْرَبْنِيْ وَقُلْ: " أَنْتَ خَمْرَتِيْ" ***** فَإِنَّكَ تُغْرِيْنِيْ بِشُرْبِكَ دَاعِيَا
وَضَعْ قُبْلَةً فِيْ الْكَأْسِ تُطْفِيْ صَبَابَتِيْ ***** فَأَهْجُرَ خَمْرِيْ، مَا لَهَا بِيْ؟ وَمَا لِيَا؟
3-
بِعَيْنَيْكَ فَاشْرَبْنِيْ وَقُلْ: " أَنْتَ خَمْرَتِيْ" ***** فَفِيْ شُرْبِ عَيْنِيْ لِلْحَبِيْبِ هَنَائِيَا
وَضَعْ قُبْلَةً فِيْ الْكَأْسِ تُطْفِيْ صَبَابَتِيْ ***** وإذ ذاك تَلْقَانِيْ عَنِ الْخَمْرِ سَالِيَا
4-
بِعَيْنَيْكَ فَاشْرَبْنِيْ وَقُلْ: " أَنْتَ خَمْرَتِيْ" ***** فَعَيْنَيَّ مُذْ أَمْسَيْتَ مَشْرُوْبَهَا سَكْرَى
وَضَعْ قُبْلَةً فِيْ الْكَأْسِ تُطْفِيْ صَبَابَتِيْ ***** لأَهْجُرَ هذِيْ الْخَمْرَ جَاعِلَهَا ذِكْرَى
وأحسستُ أني قد وفَّيتُ المعنى حقَّه، فتوقَّفتُ، وكنتُ مخطئاً في ذلك كما تبيَّن لي فيما بعد، عندما عثرت على القصيدة الإنجليزية الكاملة التي كان ما ترجمتُه منها بيتين فقط. وعرفتُ أن القصيدة اسمها (إلى سيليا)، وقد كتبها بن جونسن (وهو شاعر إنجليزي معاصر لشكسبير) ونشرها في عام 1616 م، ثم علمتُ أن القصيدة لم تكن من بنات أفكار بن جونسن، بل إنه نظمها استناداً إلى نصٍّ يونانيٍّ قديمٍ كتبه فيلوستراتس في إحدى رسائله حوالي عام 230 م.
وإليكم النص الكامل للقصيدة الإنجليزية:
Drink to me only with thine eyes
And I will pledge with mine.
Or leave a kiss but in the cup
And I'll not look for wine.
The thirst that from the soul doth rise
Doth ask a drink divine;
But might I of Jove's nectar sup,
I would not change for thine.
I sent thee late a rosy wreath,
Not so much hon'ring thee
As giving it a hope that there
It could not withered be;
But thou thereon did'st only breathe,
And sent'st it back to me,
Since when it grows and smells, I swear
Not of itself, but thee.
وأعتقد أنكم تشاركونني الرأي في أن القصيدة جميلةٌ بحقٍّ. وراحت نفسي تحدِّثني أن أحذو حذو بن جونسن فأنظم القصيدة بلغتي التي أحبُّها وأعتزُّ بها، وهكذا كان، فقد عكفتُ على نظمها حتى أتت بصيغةٍ رضيتُ عنها، وأرجو أن تشاركوني في هذا الرضى.
وبعد كلِّ هذه الإطالة، إليكم قصيدة (إلى سيليا):
بِعَيْنَيْكَ فَاشْرَبْ نَخْبَ حُبِّيْ وَصُحْبَتِيْ ***** وَهَا أَنَذَا بِالْمِثْلِ عَيْنَيَّ دَاعِيَا
وَإِنْ رُحْتَ تُهْدِيْنِيْ عَلَى الْكَأْسِ قُبْلَةً ***** فَإِنَّكَ تَلْقَانِيْ عَنِ الْخَمْرِ سَالِيَا
إِذَا عَطِشَ الْظَّمْآنُ فِيْ عُمْقِ رُوْحِهِ ***** يَظَلُّ بِلا خَمْرِ الْسَّمَاوَاتِ صَادِيَا
وَلكِنَّنِيْ حَتَّى وَإِنْ صَبَّ خَمْرَتِيْ ***** إِلهٌ سَتَبْقَى أَنْتَ أَفْضَلَ سَاقِيَا
أَتَذْكُرُ إِكْلِيْلاً إِلَيْكَ بَعَثْتُهُ ***** وَمَا كَانَ فِيْ قَصْدِيْ لِقَدْرِكَ مُعْلِيَا؟
وَلكِنَّنِيْ أَمَّلْتُهُ طُوْلَ نَضْرَةٍ ***** لَدَيْكَ، فَلَنْ نَلْقَاهُ مِنْ بَعْدُ ذَاوِيَا
وَفَاجَأَنِيْ أَنِّيْ رَأَيْتُكَ نَافِثَاً ***** عَلَيْهِ وَمُعْطِيْهِ إِلَيَّ مُهَادِيَا
وَأُقْسِمُ أَنَّ الْوَرْدَ مَا زَالَ نَامِيَاً ***** وَبِالْعِطْرِ فَوَّاحَاً، فَبُوْرِكْتَ رَاوِيَا