[right] ثعابين الشمال قصةبقلم:عبدالله بوقصة

الكلّ يحملق في ذهول، الأبصار ممتدة نحو الشمال..ضباب كثيف يلفّ القرية، أصوات صارخة تملأ الأفق،نعيق البوم و الغربان يحوم في المكان...الثعابين الرقطاء بكلاكلها الجبّارة تقتحم القرية، و تنتشر على طول الساحل، إنّها تزحف برؤوسها الانسيابية في كلّ مكان، و تنفث من أفواهها الفاغرة كالمغارات نيرانا حمراء تنشر الهلع في أوساط مداشرنا الهادئة..الثعابين الرقطاء قدمت من جهة البحر.. من الشمال.
تساءل أهل القرية في فضول وحيرة..
قال بعضهم :
_إنّها خرجت من أغوار البحر المتوسط.
و قال البعض الآخر :
_إنّها قادمة من وراء البحر.. من الشمال..
و أردف آخرون:
_إنّها انشقت من باطن الأرض.
و صرخ بعض الآهالي :
_إنّها القيامة..إنّه يوم الحساب..
الثعابين الرقطاء،تزحف و تدمدم كالبراكين،أجسامها العملاقة ترتطم بتربتنا الطاهرة، وتقتحم ربوعنا الطيبة ،و تنفث النيران على خيراتنا و غلالنا،و تتمادى في سفك الدماء وقتل الرجال والنساء،و هتك الأعراض والحرمات.. و تملأ الدنيا رعبا و هولا....
الجموع القليلة من الآهالي صمدت في وجه ثعابين الشمال الرقطاء، فوقف الجميع عند رؤوسها وقفة رجل واحد،و انهالوا عليها و سلاحهم البنادق و الخناجر و الحجارة والعصي..
والثعابين تتلقى الضربة تلو الأخرى،فتتسمّر في أمكنتها ولا تقوى على الحركة،والسواعد القوية تهوي عليها،فإذا هي تئنّ كأنّما خارت قواها،و لم تعد تنفث من أفواهها سوى دخان كثيف يتصاعد في الأفق في شكل دوائر حلزونية.
إنّها عاجزة عن الزحف..
وآهالي القرية يقاومون و يضربون الثعابين الرقطاء بكل ضراوة،وهي ما تزال ساكنة،جامدة تزفر بين الفينة والأخرى زفرات حارة مصحوبة بالأنين..
و تتعالى الهتافات:
_سحقا لثعابين الشمال..ما أشد بطشها...
وإذا الثعابين الرقطاء تدور على أعقابها، والجميع يصوّب سلاحه نحوها ويضربها بقوة،و يطوّقها من الخلف..و يطعن ظهورها الجدارية بالخناجر،ويسحقها بوابل من الطلقات النارية....وهاهي تزحف ببطء نحو الشمال تجرّأذيال اليأس و الهزيمة،،و الآهالي يتبعونها بالضرب و الهتاف،وهي تشقّ أمواج البحر،إلى أن تتوارى..فيقف الجميع وقفة إجلال، ويتبدّد الدخان،ويتلاشى الصراخ،وتندثر أسراب البوم والغربان،وينقطع النعيق،وتشرق الشمس من جديد،وتتعالى الزغاريد،وتدوّي طلقات البارود،وترتسم البسمة مشرقة على الشفاه،وتبدو القرية في ثوب قشيب..